التهرب الضريبي

التغلب على الفقر و الحرمان يمر بمعالجة شح رأس المال البشري واتساع فجوة البنية التحتية. وهو ما سيتطلب إجراءات و تدابير صارمة للحد من التهرب الضريبي الذي استفحل و أخذ طابعًا دوليًا و أصبح يهدد جدوائية الدولة الموريتانية.

 منذ القدم و سكان هذه الأرض، موريتانيا، في اقتتال مستمر من أجل النهب و أخذ المغانم و الاستحواذ و تغريم المغلوب من الأقارب. حالة من الظلم و الإستبداد لم تنتهي حتى وصول المستعمر الفرنسي الذي خفف الصراعات و حفز هدوء الأجواء. لكنه في نفس الوقت أعطى الصراعات والأحقاد قنوات أخرى. تدريجيًا و تحت وصاية الفرنسيين تغيرت بعض المفاهيم  و دفنت ،ولو لحين، النزعة الجاهلية و تنازلت القبائل عن العنف للدولة الموريتانية الحديثة و تبنت هذه الأخيرة التشريعات الاقتصادية الفرنسية بشكلها ومضمونها، في أغلب الأحيان، و ارتدت الجباية ثوب الضريبة الحديثة : مبلغ نقدي تفرضه الدولة على الأفراد والكيانات القانونية، بهدف تمويل النفقات التي تترتب على سيادة الدولة الحديثة و تأمين الخدمات الاجتماعية، ودفع رواتب الموظفين في الدوائر الحكومية والوزارات، وإنشاء وتأهيل البنى التحتية، ودعم السلع الأساسية.

 

في السنوات الأخيرة ، أصبح التهرب الضريبي لبعض رجال الأعمال و استراتيجيات التخطيط الضريبي لشركات التعدين في موريتانيا مصدر نقاش وطني. أصبح الكل يعي أن التجار و رجال الأعمال لا يعتبرون الضريبة فريضة دستورية. لا يدفعون نصيبهم من الواجبات الضريبية،حسب معيار القدرة. أصبح الكل يعي تمالؤ إدارة الضرائب التي لم تسأل قط (أيًا كان):

من أين لك هذا؟

 

و هل دفعت نصيبك من الضرائب؟

 

ضف على ذلك، البعد الدولي لتلك الظاهرة. الذي يتمثل في استقرار أرباح رأس المال والأموال المشبوهة، خاصةً الرشاوي، في أصول وعقارات وحسابات بنكية خارج التراب الوطني.

إن المشكلة لا تكمن ليست في الإدخارأو الاستثمار في دولة أجنبية،وإنما في عدم الإقرار بتلك العمليات. لأن التصرف السائد، و الذي لم تترتب عليه عواقب قانونية ، هو حجب تلك المعلومات. لا يبلغون إدارة الضرائب بتلك الصفقات و لا يدخلون المعلومات في الإقرارات الضريبية و الدفاتر المحاسبية، بالرغم من وجوب ذلك قانونيًا، نظريًا على الأقل!

 

أما الشركات الأجنبية، المتواجدة في موريتانيا، فأغلبها يتفادى الضريبة و لكن في حيز حدود القانون.

 

فعلًا، تميل هذه الشركات نحو تخطيط هيكلي، مالي وضريبي من أجل الكفاءة وخفض التكاليف و السعي وراء زيادة صافي الأرباح، بما يتيحه القانون الضريبي الموريتاني.

 

على كل حال،  لا يفترض أن تدفع هذه الكيانات أكثر مما تدين به. فمبدأ حرية الاختيار يجعل المسارات القانونية متعددة ومتشعبة و غالبًا ما تتباين تكاليفها الضريبية. فعلى سبيل المثال:  يتيح القانون  للشركة الأجنبية الأم إمكانية إعفاء الديون، التي لها على فرعها في موريتانيا، كما يتيح لها أيضًا امكانية تحويل الدين إلى زيادة في رأس مال فرعها في موريتانيا، وهو ما يجعل المفعول الضريبي أو النتيجة الضريبية مختلفة (مبدأ حرية الاختيار). لأن القانون الضريبي يعتبر الشركة متعددة الجنسيات مجموعة من الكيانات القانونية المنفصلة، يتم تسجيل أرباحها على أساس كل بلد على حدة، وهو ما يجعل المعاملات داخل المجموعة الواحدة عامل أساسي في تحديد المكان الذي ترسو فيه الأرباح، وبالتالي الضريبة.

 

أدى هذا السياق إلى ظهور سلسلة من المعاملات البينية بين الفرع الموريتاني (المنجم) والفروع في دول أخرى بطريقة تسهل عملية تحويل الأرباح من موريتانيا الى بلدان ذات ضرائب منخفضة أو منعدمة. و هو ما يتم غالبًا عن طريق التحكم في أسعار المعاملات بين الشركات المرتبطة (المعروفة باسم "أسعار التحويل"). 

 

الحالة الاستثنائية الوحيدة المتوافق عليها فقهاً هي أنه لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، و لكنها حجة يصعب إثباتها في العقود ذات الطابع الدولي، و التي غالبا ما تندرج تحت غطاء معاهدة دولية. فعلى سبيل المثال: العقود بين موريتانيا و كينروس تندرج بصفة غير مباشرة تحت غطاء ﺍﺘﻔﺎﻗﻴﺔ تشجيع ﻭﺤﻤﺎﻴﺔ ﺍﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ بين المملكة الإسبانية و موريتانيا.

 

النظام الضريبي ما هو إلا ترجمة للأهداف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية التي أوكلتها الأمة للضريبة في وقت من الأوقات. وعليه، يتعين على الحكومة أن تعيد النظر في نظامنا الضريبي و أن تسد الفجوات القانونية لأن نظامنا الحالي هو نظام ضريبي مقتبس، مرقع، مليء بالفجوات. نظام صمم لبلورة أهداف مجتمعات أخرى بعيدة كل البعد عن المجتمع الموريتاني و قدرته الإدارية. نظام غير مناسب للاقتصاد الموريتاني الذي يتميز بالبدائية في نمط المعاملات.

اثنين, 17/01/2022 - 20:58