هل هناك حملة تشويش منظمة؟

على غير عادتهما غاب رئيس الجمعية الوطنية ونائبه الأول عن أول صلاة عيد تقام في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وربما يكون ذلك الغياب متفهما نظرا لعدم وجودهما أصلا في العاصمة نواكشوط. قد يكون ذلك الغياب متفهما، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو ما كتبه رئيس الجمعية الوطنية ونائبه عن الحكومة الجديدة، فالرئيس انتقد هذه الحكومة وقلل من شأنها حتى من قبل الإعلان عن تشكيلها، وكان ذلك من خلال تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، ونائبه انتقد الحكومة من بعد تشكيلها، وكان ذلك من خلال منشور على صفحته على الفيسبوك، وقد جعل من غياب تمثيل مقاطعته في الحكومة سببا لذلك الانتقاد.

تزامنت انتقادات رئيس الجمعية الوطنية ونائبه مع إشاعات وتسريبات نشرتها بعض المواقع تتحدث عن حملات تشويش ضد الحكومة الجديدة يقودها وزراء سابقون ونواب محسوبون على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وذلك على الرغم من تأكيد رئيس الفريق البرلماني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية عن دعم نواب الحزب للحكومة الجديدة.

ويبقى الخبر أو التسريب الأكثر خطورة، والأكثر تشويشا، هو ذلك الخبر الذي نشره موقع "الأخبار إنفو" عن تسلل مسلحين من القاعدة إلى موريتانيا، وبما أن الخبر تم نشره من طرف هذا الموقع، فذلك يعني بأن الجهة التي سربت هذا الخبر، هي جهة "يوثق بها". فإذا كان هذا الخبر غير صحيح، وهو الاحتمال الأرجح، فسيعني ذلك بأن هناك جهة ما من داخل النظام هي التي تقف وراء تلفيق الخبر وتسريبه. لم يكد موقع الأخبار ينشر الخبر المتعلق بمطاردة الأمن الموريتاني لأجانب تسللوا إلى الأراضي الموريتانية يعتقد انتماؤهم لتنظيم إرهابي، حتى تم تداول إشاعة أخرى على نطاق واسع، تبين فيما بعد أنها مجرد إشاعة كاذبة، وتتعلق هذه المرة بإغلاق ساحة الحرية أمام الزوار لأسباب أمنية.

لستُ في موقع يمكنني من أن أجزم بفرضية وجود حملة تشويش منظمة تحاك ضد الحكومة الجديدة، وليس بإمكاني نفي وجود تلك الفرضية، خاصة وأن الشفيق بسوء الظن مولع. ومهما يكن من أمر، وفي انتظار أن تنجلي الحقيقة، فسيبقى من الضروري التنبيه في هذا المقام إلى جملة من الملاحظات لعل من أهمها :

1 ـ على رئيس البرلمان ونائبه، وعلى كل نواب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، أن يتذكروا دائما بأن رئيس الجمهورية بإمكانه أن يحل البرلمان، وأنه في حالة حله فإن 80% أو أكثر من نواب الحزب لن يتمكنوا من العودة إلى البرلمان. على رئيس الجمعية الوطنية أن يتذكر دائما بأنه حصل على مقعد نائب عن مدينة ازويرات في الشوط الثاني وبشق الأنفس، وأن نائبه حصل على مقعد نائب من خلال اللائحة الوطنية وبطريقة أثارت العديد من نقاط الاستفهام، ولذا فإنه ليس من مصلحتهما الدفع بحل البرلمان.

2 ـ يبدي الكثير من السياسيين في الموالاة والمعارضة التي دعمت المرشح غزواني في الانتخابات الماضية تذمرا من تشكيل حكومة لم يبذل أغلب أعضائها أي دور يذكر في فوز المرشح، ويرى هؤلاء المتذمرين بأنهم كانوا أولى بالتعيين في الحكومة من أولئك الذين لم يبذلوا أي جهد يذكر في الانتخابات الماضية.

ذلك قول به وجاهة، ولكن على السياسيين الذين يقولون به أن يأخذوا بعين الاعتبار جملة من الأمور :

أولها : أن أداء حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم يكن جيدا خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، والكثير من نواب هذا الحزب كانوا من داعمي مبادرة التمديد، أي أنهم كانوا من معارضي ترشيح محمد ولد الشيخ الغزواني، وهذا ما دفعني أن أقول في مقال سابق بأن الموالاة الحقيقية لغزواني تتمثل في أولئك الذين دافعوا عن مبدأ التناوب السلمي على السلطة، سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة، وأن معارضة غزواني الحقيقية تتمثل في أولئك الذين كانوا يطالبون بالتمديد، وذلك لأنهم كانوا يقفون بشكل أو بآخر ضد ترشيح غزواني وبالتالي ضد وصوله إلى السلطة.

ثانيها : وهذه تخص داعمي غزواني من داخل فسطاط المعارضة، وهم الذين تعرضوا من بعد تشكيل الحكومة التي غابوا عنها لحملات تشفي من طرف زملائهم الذين بقوا في خندق المعارضة. ليس من الإنصاف أن يطلب المعارضون الداعمون للرئيس غزواني عضوية في حكومة غُيِّب عنها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وكل الأحزاب الأخرى المحسوبة على الموالاة.

ليس من حق المعارضين الذين دعموا المرشح غزواني أن يتذمروا من عدم إشراكهم في حكومة لم تشرك فيها أحزاب الموالاة التي دعمت المرشح، هذا إذا ما استثنينا إشراك رئيسة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، والتي يمكن القول بأن تعيينها في الحكومة كان استثناء في غير محله.

ثالثها : من حق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يبعد السياسيين من حكومته، ومن حقه أن يبحث في هذا الوقت بالذات عن وزراء غير سياسيين يتحلون بالكفاءة ويفترض فيهم أنهم قادرون على تحقيق الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للمواطن في مجال الصحة والتعليم والعدل والأمن..هذا الإبعاد يجب أن لا يفهم أنه إعلان حرب ضد السياسيين، وإنما هو مجرد ضرورة مرحلية على السياسيين الداعمين أن يتفهموها .

3 ـ من المؤكد بأن تذمر السياسيين الداعمين للرئيس غزواني، وسواء كانوا في الموالاة أو المعارضة لن يكون في مصلحة الرئيس ولا في مصلحة حكومته، وهو بالتأكيد لن يكون في مصلحة السياسيين أنفسهم، ولذا فإن أي خطوة تتخذ في بناء الثقة وتعزيزها بين الرئيس وداعميه ستكون في مصلحة الطرفين. إن العمل الحكومي يحتاج إلى أذرع سياسية وإعلامية لتسويقه وللدفاع عنه، وحتى الآن فإنه لم تتشكل تلك الأذرع، والتي يكفي كدليل على غيابها أن أول بيان صادر عن مجلس الوزراء لم يجد مساحة مناسبة في الإعلام ولا في التداول بين المواطنين، وخاصة في جزئيته الهامة والمتعلقة بتعهد الرئيس للوزراء بأنه سيمنح لهم الصلاحيات والإمكانيات اللازمة لتأدية مهامهم، وبأنه عليهم أن يتحملوا المسؤولية الكاملة في كل ما يتعلق بقطاعاتهم.

ختاما

لا خلاف على أن حكومة الكفاءات هي الأنسب للمرحلة، ولكن بشرط أن يتمكن أعضاؤها من المبادرة ومن تحقيق إنجازات سريعة يلمسها المواطن في تفاصيل حياته اليومية. ولا خلاف أيضا على أن هذه الحكومة بحاجة ماسة إلى أذرع سياسية وإعلامية تسوق إنجازاتها إن تحققت تلك الإنجازات. إن هذا العهد الجديد، كأي عهد جديد يريد أن يكسب ثقة المواطن، هو بحاجة إلى وزير ينجز وسياسي وإعلامي يسوق ذلك الإنجاز، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم الاستغناء لا عن الإنجاز ولا عن تسويق ذلك الإنجاز.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

خميس, 15/08/2019 - 11:11