الطريق إلي قصر قرطاج

يوم الجمعة التاسع من أغسطس 2019 وعلي تمام الساعة السادسة مساءً أقفل باب الترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس، ووصل عدد المترشحين إلي 97 مترشحا !. في اليوم الأخير تم إيداع 42 ملفا، كان أبرزها ملفا يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي، ومرشح النهضة عبد الفتاح مورو.
الانتخابات الرئاسية التونسية الحالية هي الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة في تاريخ تونس والثانية بعد الثورة التونسية وكان من المقرر إجرائها في 29 نوفمبر 2019، إلا أن وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السيبسي يوم 25 يوليو 2019 عجلت من تاريخها إلي 15 سبتمبر 2019. وتشرف علي هذه الانتخابات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
علي الرغم أن الدستور التونسي الحال(دستور ما بعد الثورة) يعطي صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية(منعا لإستفراد الأخير بالسلطة)،إلا أن الانتخابات الرئاسية تكتسي أهمية قصوي، نظر لمركزية منصب رئيس الجمهورية في المعادلة السياسية التونسية، ولرمزية المنصب في المخيال الجماعي التونسي.
خريطة الأسماء المترشحة تفصح عن طيف عريض يمثل شرائح المجتمع المختلفة، بعضها يتسم بالغرابة، كترشح أحد المثليين(منير بعتور، محامي تونسي يبلغ من العمر 48 سنة)، أو الراقصة نرمين صفر التي أعلنت أن برنامجها الانتخابي يتمحور حول تخفيض سعر الخبز، ومنع ارتداء الحجاب وفرض ارتداء السفساري (لباس تقليدي تونسي)، وتسليط عقوبات مالية علي كل رجل يعد تونسية بالزواج ولا ينفذ وعده.ووعدت بتقديم مشروع قانون يعطي المرأة الثلثين في الميراث وثلثا وحيدا للرجل ! مثل هذه الترشيحات الغريبة لا حظ لها في الفوز،ولن تتعدي الفقاعة الإعلامية التي ستثار حولها، معظمها للتندر ليس إلا، مثل هذه الترشيحات لا قبول لها، نظرا لمجافاتها لعقلية السواد الأعظم من التوانسة، ورغم رفض معظم التوانسة لمثل هذا التوجه إلا أن مجرد تشرح هؤلاء يقدم صورة جلية عن مدي تفتح وتحرر المجتمع التونسي قياسا بجواره العربي. بالإضافة إلي أن مثل هذه الترشيحات تؤشر إلي التطور اللافت في مجال الحقوق الحريات المدنية في تونس. 
لا شك أن هذا العدد الكبير من المرشحين سيفقد الانتخابات الرئاسية الحالية جزء كبير من الألق والتوهج، وسيشتت الناخب التونسي.
هذا العدد الكبير من المرشحين سيحيل هذا الاستحقاق الرئاسي إلي حلبة صراع حقيقي، ستكون الغلبة فيه لمن يمتلك إمكانيات مادية كبيرة ويتحلى بطول النفس والقدرة علي المقاومة والمواصلة حتى نهاية المضمار، هذا مع مراعاة طبيعة موازين القوي التقليدية في المجتمع التونسي، وتأثير وسطوة العامل الخارجي منذ مطلع العام 2011. ومع إدراكنا أن الصراع الحقيقي سينحصر في نهاية المطاف في عدد قليل من الأسماء الوازنة كما سنوضح أدناه إلا أننا نتوقع أن ساحة التنافس ستكون ساخنة جدا، وستكون النتائج في بعض أوجهها مفاجئة، كما أن الخيبة ستكون من نصيب لفيف عريض من المرشحين التواقين لولوج قصر قرطاج، من رجالات الصف الثاني في الخارطة السياسية التونسية ولا سيما الأسماء الجديدة الوافدة علي المشهد العام.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنها ستلعن القائمة الأولية لأسماء المترشحين الذين استوفوا الشروط يوم الأربعاء 14 أغسطس الجاري، علي أن القائمة النهائية للمرشحين المؤهلين لخوض الانتخابات الرئاسية، سيتم الإفصاح عنها نهاية الشهر الجاري، وحسب المصادر الرسمية، يتوقع أن ينخفض العدد بمقدار الثلثين، نظرا إلي أن ضيق الوقت( من 2 إلي 9 أغسطس) جعل بعض المرشحين يعدون ملفات ترشحهم علي عجل ويقدمونها دون استكمالها. 
الحصول علي التزكيات الكاملة وتقديم الضمان المالي، تعتبر وثائق غير قابلة للتدارك بعد الإخطار الأولي وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
شروط قبول ملف الترشح تتجاوز العشرة أهمها إثنان :
1. التزكيات : ووفقا لقانون الانتخابات يتوجب على الراغب في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية الحصول على تزكية من 10 نواب في البرلمان على الأقل أو تزكية 40 من رؤساء المجالس البلدية، أو تزكية 10000 من الناخبين من عشر دوائر مختلفة،علي أن يتحصّل المترشح على 500 تزكية على الأقل من كل دائرة.
2. الضمان المالي :ينبغي علي المترشح تقديم مبلغ وقدرة 10 آلاف دينار تونسي( تعادل 3355 دولار أمريكي)،غير قابلة للاسترجاع، حتي في حالة عدم قبول ملف الترشح.
وقد شرعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يوم السبت 10 أغسطس الجاري في التثبت والتحقق من صحة التزكيات الشعبية التي أوردها المترشحون في ملفاتهم وذلك عن طريق التحقق من أن المُزكّي يحمل صفة الناخب وأن تكون التزكيات مقسمة على 10 دوائر وأن يتحصّل المترشح على 500 تزكية على الأقل من كل دائرة، مؤكدا أن التثبت من صحة التزكيات وخاصة التوقيعات يتم بطريقة رقمية وكذلك يدوية. وبعد التحقق من التزكيات فإذا وجدت الهيئة عددا منها غير مطابق للمعايير القانونية، فإن الهيئة تراسل المترشح المعني بالأمر وتطلب منه تدارك الأمر في ظرف 48 ساعة من تاريخ إرسال التنبيه.
وأفاد التلفزيون الرسمي التونسي بأنه سيبث مناظرات بين المرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة، لأول مرة في تاريخ البلاد. وأكدت قناة "التلفزة الوطنية" على موقعها الرسمي أن هذه المناظرات ستبث من الثاني حتى السابع من سبتمبر المقبل ضمن حلقات مباشرة تحت عنوان "الطريق إلى قرطاج"، وسيتناظر فيها جميع المرشحين حول برامجهم الانتخابية.
ستنطلق الحملات الانتخابية يوم 2 سبتمبر حتي 13 منه، يعقبها الصمت الانتخابي ( يوم 14 سبتمبر القادم)، ويدلي الناخبون بأصواتهم يوم 15 سبتمبر، وتعلن النتائج الأولية للانتخابات في17 سبتمبر من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إلا أن اللافت في الموضوع أنه لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية التي ينبغي إجرائها قبل 3 نوفمبر القادم إذا تطلب الأمر، - حسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات - وهو الأمر الذي بات شبه مؤكد حدوثه مع وجود هذا العدد الكبير من المرشحين، لأنه عمليا يصعب علي أي من المترشحين الحصول علي الأغلبية المطلقة من الجولة الأولي. 
خارطة الترشيحات
خريطة الترشيحات تتسم بتعدد كبير، طال معظم شرائح تركيبة النسيج الاجتماعي التونسي، وكذا طبقات المجتمع، ورغم كثرة الوجوه الجديدة التي لا تحظي بقاعدة شعبية أو التي يتعرف عليها الشارع التونسي للمرة الأولي ! إلا أن أسماء كبيرة ذات ثقل علي الساحة السياسية والنقابية والحزبية قد رمت بثقلها لخوض هذا الاستحقاق الانتخابي، مما يشي بسباق رئاسي ساخن، يتحضر له الجميع راهنا.
أبرز الوجوه التي تقدمت للإنتخابات الرئاسية :
1. يوسف الشاهد(44 سنة) : مهندس زراعي،ينحدر من أسرة سياسية عريقة في تونس، شغل منصب وزير دولة في العام 2015، ووزير الدولة للمحكم المحلي عام 2016، وصعد إلي رئاسة الحكومة التونسية صيف 2016 بترشيح من الراحل الباجي قايد السبسي، خلفا للحبيب الصيد، وكان عضوا بارزا في حزب نداء تونس الذي يترأسه حافظ السبسي(نجل الرئيس الراحل)، إلي أن دب الخلاف بينه وبين حافظ السبسي، أدي إلي إنشقاق الشاهد عن حزب نداء تونس، وتحالفه مع غريمه التقليدي، حزب النهضة. في مطلع العام الجاري أعلن عن تأسيس حزب سماه" تحيا تونس" تم انتخابه رئيسا له، يضم هذا الحزب نوابا في البرلمان وقيادات نافذة وطيف عريض من أركان الدولة العميقة، يتوقع أن ينال هذا الحزب حصة الأسد في الانتخابات البرلمانية القادمة متقدما علي النهضة.
2. عبد الكريم الزبيدي(69 سنة) : طبيب ، يتقلد حاليا منصب وزير الدفاع في حكومة يوسف الشاهد، وسبق له أن تقلد العديد من المناصب الرفيعة في الدولة التونسية منها كاتب دولة لدى الوزير الأول مكلف بالبحث العلمي والتكنولوجيا عام 1999، وزير الصحة عام 2001 في حكومة محمد الغنوشي، ووزير دفاع من العام 2011 إلي غاية مارس 2013 في حكومة محمد الغنوشي الثانية، ورفض في العام 2015 تولي منصب رئيس الحكومة. حاليا ترشح كمستقل.
3. عبد الفتاح مورو(71 سنة) : محام وسياسي في التيار الإسلامي التونسي وأحد القادة التاريخيين لحركة النهضة. نائب عن الحركة ونائب أول لرئيس مجلس نواب الشعب منذ 4 ديسمبر 2014، ثم رئيسا للمجلس بالنيابة منذ 25 يوليو 2019. مرشح حركة النهضة للإنتخابات الرئاسية التونسية 2019.
4. المنصف الرزوقي(74 سنة) : طبيب ، الرئيس الثالث لتونس، وأول رئيس بعد الثورة التونسية(2011 – 2014). رئيس حزب تونس الإرادة.
5. ناجي جلول(62 سنة) : أستاذ جامعي ومؤرخ وزير التربية (2015 - 2017) في حكومة الحبيب الصيد، وعضو قيادي في حزب نداء تونس.
6. حمة الهمامي(67 سنة) : سياسي وكاتب، ويعد من أبرز وجوه اليسار التونسي، رئيس حزب العمل التونسي،حل ثالثا في الانتخابية الرئاسية للعام 2014، وهو مرشح الجبهة الشعبية التي تضم ائتلاف مكون من الأحزاب اليسارية والقومية في تونس.
7. محسن مرزوق(54 سنة) : سياسي وحقوقي تونسي، رغم عدم وجود شعبية له، إلا أنه من الشخصيات النافذة ذات العلاقات القوية داخل وخارج تونس، ومن المؤسسين لحزب نداء تونس، لكنه سرعان ما انشق عنه ورنا إلي قيادة المعارضة من خلال تأسيسه حزب مشروع تونس، يعتبر من الشخصيات الجدلية في تونس، وقد ورد اسمه في وثائق بنما لتبييض الأموال.
8. محمد عبو( 53 سنة) : محامي وسياسي تونسي، عضو مجلس النواب عام 2011، ووزير في حكومة حمادي الجبالي 2012، في عام 2013، أسس حزب التيار الديمقراطي الذي يشغل منصب أمينه العام حتى الآن.
9. مصطفي جعفر(79 سنة) : طبيب وسياسي تونسي، عام 1994 أسس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ولازال يرأسه حتي الآن، رئيس أول برلمان تونسي بعد الثورة. 
10. مهدي جمعة(57 سنة) : مهندس وسياسي تونسي، شغل منصب وزير الصناعة في حكومة علي العريض عام 2013، وعين رئيسا للحكومة من قبل الرئيس المنصف المرزوقي من يناير 2015 حتي فبراير 2015، وفي مارس 2017 أسس حزب البديل التونسي ويترأسه.
11. محمد الهاشمي الحامدي(55 سنة) : سياسي وأكاديمي وكاتب وإعلامي تونسي، صاحب قناة المستقلة التي تبث من لندن. سبق أن ترشح للانتخابات الرئاسية عامي 2011 و2014.
12. حمادي الجبالي(70 سنة) : مهندس وسياسي تونسي، أحد القياديين الإسلاميين البارزين، رئيس حركة النهضة (1981- 1987) وأمينها العام خلال الفترة (1987 – 2013)، عضو مجلس النواب عام 2011، ورئيس الوزراء (2011 – 2013).
13. سلمي اللومي الرقيق(63 سنة) : سيدة أعمال وسياسية تونسية، نائبة في عام 2014، كانت قيادية في حزب نداء تونس، تقلدت منصب وزيرة السياحة في حكومة الحبيب الصيد عام 2015، في يونيو الفائت انشقت عن حزب نداء تونس وانضمت إلي حزب" أمل تونس" الذي انتخبها رئيسة له وممثلة قانونية عنه.
14. ليلي الهمامي : أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن، تعد إحدى أبرز الناشطات الفاعلات في الساحة السياسية التونسية،ورغم إقامتها الدائمة في لندن إلا أنها تزور تونس بإستمرار ومنغمسة في الشأن السياسي بفعالية ولعل أحد أهم نقاط قوتها ليس برنامجها الانتخابي وإنما عدائها الشديد للتيارات الثيوقراطية بتونس.
15. نبيل القروي(56 سنة) : نبيل القروي، رجل إعلام وأعمال تونسي وصاحب قناة "نسمة" الخاصة التي أسسها مع رجال أعمال من أوروبا والعالم العربي، بينهم رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلسكوني، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.وأعلن القروي قبل أسابيع عن تأسيس حزب "قلب تونس"، ونيته الترشح، قائلاً إن حزبه سيخوض التنافس في كل الدوائر الانتخابية. نبيل القروي تعطيه استطلاعات الرأي مرتبة متقدمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية رغم الملاحقات القضائية التي تستهدفه مع شركائه بتهم كثيرة، منها تبييض الأموال والتهرب الضريبي. 
حظوظ المرشحين
نتوقع أن تفصح القائمة النهائية التي سيتم الإعلان عنها في 31 أغسطس الجاري عن عدد يتراوح بين العشرين وثلاثين اسم. ورغم توقع إستبعاد ثلثي الملفات المترشحة لعدم استيفاء الشروط، إلا أن العدد الباقي لازال هو الآخر كبير، وقراءتنا للاستحقاق الرئاسي القادم وفق المؤشرات، وخارطة الترشيحات وحجم القوي الحزبية أو المستقلة المتنافسة، نري أن هذا العدد الكبير من المرشحين، سيعمل علي تشتيت الأصوات، فضلا علي أن كثرة العدد ستشوش علي البرامج الانتخابية، وستعمل المناظرات المزمع إجرائها بين المترشحين علي نشر بعض من الغسيل الوسخ كما جرت العادة في مثل هذه المناظرات(فضائح وتجاوزات مالية واستغلال الوظيفة .....الخ). كل هذا سيعمل علي تقليل نسبة الإقبال علي صناديق الاقتراع.
يبلغ عدد الناخبين التوانسة 3 ملايين و489 ألف ناخب، ونري أن معظم الأسماء المترشحة لن تتعدي حاجز الواحد في المائة في أحسن الحالات أي 35 ألف صوت ! وأن الصراع سيحتدم بين ستة أسماء هي :
- يوسف الشاهد.
- عبد الكريم الزبيدي.
- عبد الفتاح مورو.
- حمة الهمامي. 
- ليلي الهمامي.
- نبيل القروي.
في حين نتوقع أن تحظي أسماء مثل المنتصف المرزوقي( الرئيس الاسبق) وحمادي الجبالي( رئيس الحكومة الاسبق)، ومصطفي جعفر( رئيس البرلمان السابق). بنسب تحت 5%. وأمام خارطة التريشحات هاته نري أنه يصعب حسم الأمر من الجولة الأولي، ومع تقارب حظوظ الجميع فإنه عمليا سيستحيل علي أي مرشح الحصول علي أغلبية مطلقة (51%).
أبرز الحظوظ
مع أننا نتوقع أن يكون الصراع علي أشده بين ستة أسماء كما أسلفنا إلا أن حظوظها متفاوتة، بناء علي الخبرة وحجم التحالفات والماكينة الانتخابية :
يوسف الشاهد : يعد الأوفر حظا بالفوز بالانتخابات الرئاسية، نظرا إلي تجربته وسط أجهزة الدولة حيث ارتقى من كاتب دولة مغمور بلا ماض نضالي إلى رئيس للفريق الحكومي في وقت وجيز كما تمكن من الصمود لمدة تجاوزت السنتين في وجه جبهة الخصوم السياسيين والاجتماعيين ومناوراتهم الرامية للإطاحة به، بعد أن بدأ حربه علي الفساد. فقد تدرج الشاهد في العمل السياسي من كيان صغير أسسه بعد الثورة تحت مسمى الحزب الجمهوري بمعية عبد العزيز بلخوجة وسليم العزابي وصولا إلى أن أضحى رقما صعبا داخل حركة نداء تونس بعد أن ترأس مجموعة 13 قبيل مؤتمر سوسة في يناير 2016، ومرورا بتجربته في القطب الديمقراطي الحداثي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ثم في الحزب الجمهوري بقيادة ميّة الجريبي ونجيب الشابي وياسين إبراهيم بعد عملية اندماج وانصهار في أعقاب نكسة أكتوبر 2011، تظهر عمليات الاستطلاع وسبر الآراء والواقع السياسي الحالي تقدمه نظريا على العديد من المنافسين الافتراضيين وهو الذي نجح في تجميع طيف واسع من حوله من مختلف المشارب (سياسيين، برلمانيين، اعلاميين، أصحاب مؤسسات اقتصادية واستثمارية كبرى...) في معركة البقاء في السلطة فضلا كونه ينحدر من عائلة أرستقراطية لها تاريخها السياسي والاجتماعي في تونس العاصمة، فهو حفيد المناضلة راضية الحداد أوّل رئيسة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية عام 1958 بعيد معركة التحرير الوطني. يجمع العديد من المراقبين والمحللين على أن يوسف الشاهد منذ إنشق عن حركة نداء تونس،ظل يستمد قوته من دعم الجناح القوي داخل حركة النهضة لحكومته بقيادة راشد الغنوشي علاوة عن المساندة التي يحظى بها من جهات أجنبية غربية وأخرى إقليمية في المنطقة العربية والإسلامية. يحسب الشاهد علي الجناح الليبيرالي التابع لفرنسا ذات النفوذ القوي داخل أروقة الحكم في تونس. في تونس يحلو للصحافة المحلية تسمية الشاهد بـــــــ"الفتي الذهبي". وأتوقع شخصيا أن تكون الجولة الثانية بين الشاهد والزبيدي.
عبد الكريم الزبيدي : وزير الدفاع في حكومة الشاهد الذي استقال، ليقدم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية،ويعتبر رجل تونس القوي نظرا إلي وقوف حزب نداء تونس( أقوي الأحزاب التونسية، وأكثرها نفوذا ومالا) ورائه ودعمه، كما يدعمه حزب آفاق تونس، ويحظي الزبيدي بعلاقات وثيقة مع قيادات مؤسستي الجيش والأمن، ويتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة( تسميه الصحافة أحيانا برجل أمريكا في تونس). وقد بدأ الزبيدي حمتله مبكرا، حتي قبل فتح باب الترشح بأشهر !
عبد الفتاح مورو : مرشح حركة النهضة، سيكون إعتماده بالكامل علي ناخبي حركة النهضة، التي تآكلت شعبيتها كثيرا، فرغم النجاح البارع لحركة النهضة في تقديم نفسها كتيار إسلامي وسطي، فإن طول مكوثها في سدة الحكم وعجزها هي وشركائها عن تقديم بديل تنموي فعال وناجح يحد من ارتفاع معدلات البطالة، ويقدم بديل اقتصادي مرضي. عليه نتوقع أن تكون النهضة ممثلة في عبد الفتاح مورو منافس جدي، لكنها لن تتمكن من الانتقال إلي الجولة الثانية، إلا إذا بدلت إستراتيجية تحالفاتها وغيرت من خطابها التفائلي والمطمئن.
حمة الهمامي : مرشح الجبهة الشعبية( تحالف الأحزاب اليسارية والقومية)، إن كان قد حل ثالثا في إنتخابات 2014، إلا أننا نتوقع هذه المرة أن يحل رابعا أو خامسا في الترتيب، وسيكون ندا شرسا وسيعمل علي إثارة قضايا حساسة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، المسكوت عنها في معظم البرامج الانتخابية لبقية المرشحين،إلا أن علاقة الجبهة الشعبية الخارجية مع محور المقاومة( إيران وسوريا وحزب الله)، سيعمل علي تدني شعبية الجبهة داخليًا، خارج أوساط الأنصار والمنتسبين.
ليلي الهمامي : نتوقع أن تكون مرشحة شرسة وتتمتع بحظوظ وافرة في أن تحتل المرتبة الرابعة أو الخامسة في سباق الرئاسيات، وتستمد دكتورة العلوم السياسية بجامعة لندن قوتها من أمرور ثلاث : 
1. عدائها لتيارات الإسلام السياسي وإعلانها أنها ترشحت لتحد من سيطرة ونفوذ الإخوان في تونس، وبالتالي نتوقع أن تجتذب شريحة عريضة من الناخبين الليبراليين والعلمانيين.
2. تحالفها مع الاتحاد العام التونسي للشغل، اكبر تجمع نقابي في البلاد الذي يتجاوز منتسبيه نصف مليون( أي حوالي سبع عدد الناخبين). 
3. تعويلها علي المرأة التونسية، التي كانت وراء فوز الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي علي غريمه المنصف المرزوقي.
نبيل القروي : رغم المتابعات القضائية التي تلاحقه بتهم الفساد والتهرب الضريبي وتبييض الأموال، إلا أن إختياره لشعار"محاربة الفقر" يبدو أنه رفع من شعبيته وسط مجتمع يعيش أزمة اقتصادية خانقة
 **********************
وفق المؤشرات نتوقع أن يصعد الشاهد والزبيدي إلي الجولة الثانية الحاسمة، وسيتوقف نجاح أي منهما علي مدي قدرته علي إبرام تحالفات موفقة ولا سيما مع النهضة التي نتوقع أن ناخبيها هم من سيحدد الكفة الراجحة، ومن خارطة الترشيحات وطبيعة التحالفات السابقة، نتوقع أن " الفتي الذهبي" سيكون نزيل قصر قرطاج القادم. 
خاتمة
في المجمل يتسم المشهد السياسي بتونس بالهشاشة، وسرعة تغيير التحالفات، حيث شهدت معظم الأحزاب الكبرى موجات متتالية من الانشقاقات والتصدعات نجم عنها تكوين أحزاب جديدة من رحم السابقة، هذا فضلا عن نفاذ صير المواطن التونسي المتعجل علي قطف ثمار الانتقال الديمقراطي، من خلال أداء اقتصادي ناجع يعمل علي تحسين حياته ! في هذا الخضم لا يمكن استبعاد المال السياسي، الذي قد يحدث مفاجأة مدوية بصعود حصان أسود غير متوقع، عبر ماكينة إعلامية ودعائية بدأت رائحتها تفوح في الآفاق. 

 

د. الحسين الشيخ العلوي
14 أغسطس 2019 / تونس

أربعاء, 14/08/2019 - 23:56