المهمات الخارجية للوزراء / حبيب ولد محفوظ

الطائرة تمخر عباب السماء والشمس تظهر من حين لآخر، والوزير جالس في مقعده وعلامات الارتياح والرضى بادية على وجهه. الرضى هو السمة الأساسية لكل الوزراء، أما الصفات الأخرى فمنها: ذكاء عادي جداً، غياب كامل للكبرياء، ذوق مشبوه فيما يخص اختيار ربطات العنق، وقناعة تامة بأن الوزارة هي كل شيء. 

يسافر الوزير كما هو معلوم، في "الدرجة الأولى" في مقدمة الطائرة، إلا أنه في الواقع لا يعرف أين تقع الدرجة الأولى في الطائرة. كانت تجلس إلى جانبه سيدتان من "الكونغو" أنيقتان جداً، وأوروبي عليه أثار الشراب و"كوري" أو "كورية" لم يعرف الوزير أيهما. وقال في نفسه أن من يشغل هذا المقعد قد يكون ياباني أو يابانية، افيتنامي أو افييتنامية، صيني أو صينية، كفى، قال لنفسه، وإلا فأني سوف أنفجر من الضحك، ها ها سأضحك قليلاً، أحسن صيني أو صينية، لا شك أني ظريف، هاها، سأحكيها لهم عندما أرجع إلى انواكشوط. 

كان الوفد المرافق لسيادة الوزير يسافر في الدرجة الثالثة، ولم يكن الوزير يعلم أنه توجد درجة ثالثة، كان يظن أن الطائرة غير ممتلئة فقط، ضغط الوزير بأنفه على زجاج النافذة ليرى أسفل الطائرة، ولم يرى سوى السحاب. قال الوزير في نفسه: أه لو أن شخصاً رآه من الخارج فسيضحك من أنفه المنبعج، فلا شيء أكثر إضحاكا من أنف "وزير" منبعج على الزجاج، حمد لله أن الجو غير مأهول حاليا، على الأقل لم تصل إليه "الكزرات".. تحسس الوزير جيوبه واطمأن إلى ملمس النقود وهي تنفخ جيبه، صحيح أنها ليست كثيرة. خمسة ملايين من العملة المحلية لا تساوي شيئاً من الدولار مهما كان سقوط سعره في الأسواق، المهم الأن أن لا تسقط الطائرة. فكر الوزير في الوفد المرافق وقال في نفسه: لماذا يرافقني هؤلاء وإلى أين؟ سأعطي كل واحد منهم خمسين دولاراً وأتركه يتدبر أمره بنفسه، فهم لا يتحملون تكاليف الفندق، ابتسم الوزير وتحسس من جديد جيوبه، وكان سعيد بانتفاخها، ابتسم في داخله وعض شفتيه حتى لا يقهقه، غُلب على أمره وندت عنه قهقهة أجفلت الجالسين بجواره. 

أثناء ذلك كانت الطائرة منطلقة سرعتها القصوى باتجاه الشمال، ازداد اترياح الوزير وأصبح يفكر في البلد، هز رأسه من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين. لا يريد أن يكون له موقف سياسي فقد كان عضواً نشطا في الحزب الجمهوري إلا أنه لا يعرف هل الجمهوريون يهزون رؤسهم من من اليسار إلى اليمين أو العكس. لذلك قال في نفسه إن الحزم هو صمام الأمام وأن الأمن بأيدي العسكريين، صحيح أن العسكريين أناس مهذبون فقد اشتروا لرئيسهم لباسا مدنياً، إذ أن طول استعمال البذل العسكرية أمر متعب جداً، والأحذية الثقيلة تؤدي إلى "إنتان" رائحة الأقدام. تذكر سيادة الوزير أن أقدامه بها رائحة غير طيبة، أدخل اصبعه في حذائه وشمه، كشر وتقزز، وبصق على أحد مساند مقعده، فالبصاق على الفراش اختراع موريتاني. 

جاءته مضيفة وسألته إن كان يريد شايا أو قهوة؟ كاد أن يرد عليها بأنه لا يريد شاياً ولا قهوة إنما مقابله بالعملة الصعبة. أعجبته النكتة. وقال أنه سوف يحكيها لهم عندما يعود إلى انواكشوط، وكما يفعل أي وزير عندما يكون مرتاحاً، فإنه غط في نوم عميق. وعندما ينام الوزراء فإن أحلامهم تكون غريبة. رأى الوزير في نومه أنه ينام على أريكة في صالون الرئيس، والرئيس ينظر إليه ويشخر، وكان الحرس الرئاسي يلعبون بربطة عنق الوزير وهي حمراء عليها صور من الموز وبعض الفواكه الأستوائية، وكانت ربطة العنق تطول وتطول، وهكذا كانت أحلام الوزير سخيفة ولا معنى لها، حطت الطائرة على مدرج المطار، واستيقظ الوزير مذعوراً، وأدرك في تلك اللحظة أن الطائرة تشبه السمكة أكثر مما تشبه الطائرة وتسائل لماذا لا تمشي الطائرات في البحر. 

نزل الجميع من الطائرة، والتحق بالوزير وفده المرافق، واستقل الجميع سيارة مستأجرة، وذهبوا إلى الفندق، وبعد ذلك بقليل خرجوا إلى المدينة، باريس ماتزال هيّ باريس، رفع الوزير نظره إلى سماء باريس، كان يكره "إيفل" (برج) وتسائل في نفسه كيف تقبل الفرنسيون منذ زمن بعيد وإلى متى سيتحملون هذه الأكوام المرعبة من الخردوات في سمائهم، ونفس الشيء بالنسبة للمصريين كيف تقبلوا "أهرامهم" كل هذا الزمن، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للسنغاليين كيف تقبلوا طعامهم من الأرز والسمك ونفس الشيء بالنسبة للبريطانيين كيف تحملوا ملكتهم "اليزابيث" كل هذا الزمن، وكذلك الشأن بالنسبة لـ أه.. لا ليس الموريتانيون أو رئيسهم، فهذا شيء مختلف يجب لا نظن سواً بالرئيس. 

ذهب الوزير ووفده المرافق المكون من أربعة أشخاص يلبسون بذلات على الموضة "البولونية" فيما قبل "البروسترويكا"، ذهب الجميع إلى السفارة من ثم إلى الفندق، كان للوزير برنامج مشحون ولأن الوزير شخص مهم، فقد كان برنامجه مشحوناً.
الساعة العاشرة: عليه أن يقوم بزيارة رئيس مصلحة الشؤون المعدنية، في الساعة الثانية عشرة ظهراً زيارة لرئيس قسم ناقلي الخضروات، على الساعة الثانية ظهراً زيارة للعامل رقم 7114 في الديوان المركزي لكتابة الدولة المكلفة بمكافحة الجراد في مدغشقر، على الساعة السادسة مساء زيارة للمستشار الأول في سفارة غامبيا، على الثامنة مساء سوف يمر على الحي الجامعي ليسلم "حزمة مساويك" إلى شخص هناك، وعلى العاشرة مساء سوف يشرب الشاي مع شخص ما، وفي منتصف الليل عليه أن يقوم بزيارة غرفته في الفندق لكي ينام، وقام بتنفيذ كامل برنامجه وبكل رضى وارتياح. 

غداً، قال في نفسه، غداً يوم أخر، طبعاً، مالذي كانت تريد أن تقوله هذه الحمقاء "مارغريت ميشيل" غداً لا يمكن إلا أن يكون غداً، هل كانت تريد أن يكون أمس أو أن يكون اليوم؟ 
وفي الغد، خرج الوزير إلى المدينة على الساعة التاسعة صباحاً، لم يكن في عجلة من أمره، كان يتحسس من وقت لأخر جيبه ويرتاح لملامسة العملة الصعبة تملأ جيبه. 
على الساعة الثالثة ظهراً كان قد حصل على كل ما يريد: 100 حقيبة يدوية من الجلد، 5000 قارورة عطر منزلي، 24 قميص سان لوران، 14 قميص من كوريج، 100 قميص سليو، 40 زوج حذاء عادي من محلات مغمورة، المهم أن ربة البيت ستكون سعيدة، وقال في نفسه: لقد أديت مهمتي وحان وقت العودة إلى الوطن. 

ا

المصدر: حبيب ولد محفوظ، موريتانيد،

ترجمة: عبد الرحمن ولد عبد الله

القلم، العدد 230، بتاريخ 25 فبراير 2003

سبت, 12/06/2021 - 22:54