بهذه أو بتلك

دفعة من الطلبة القضاة تبلغ، أو تكاد، استيفاء آخر شرط من الشروط السبعة (7) للمترشحين للسلك القضائي، المحددة في (المادة 21/ج)، من القانون النظامي 94-012 الصادر بتاريخ 17 فبراير 1994 المتضمن النظام الأساسي للقضاء، المعدل، الذي ينص على:

"...أن يتم نجاحه في مسابقة اكتتاب يتلقى بعدها تكوينا لمدة سنتين في مدرسة للتكوين القضائي منشأة أو معترف بها من طرف الدولة..."

الخطوة الموالية في المسار المهني للقضاة بحسب مقتضيات النظام الأساسي للقضاء هي التعيين المستحق تلقائيا بمجرد استكمال الشروط "ال 7" بحسب نص (المادة 22 /ج):

"يعين المترشحون المستكملون للشروط الواردة في (المادة 21 /ج) قضاة متربصين بمرسوم بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء..."

دفعة جديدة من المترشحين للسلك القضائي تنجح في أولى مرحلة في مسابقة اكتتاب يخضعون عقب اكتمالها لتكوين مدة سنتين في مدرسة للتكوين القضائي، ليستتبع ذلك تعيينهم قضاة متربصين

نص الدستور في (مادته 57) التي عنيت بتحديد المجال الحصري للقانون على أنه:

: "يدخل في مجال القانون

"... النظام الأساسي للقضاء ...

وبحسب (المادة 89) من الدستور:

"... يحدد قانون نظامي النظام الأساسي للقضاء ..."

القانون النظامي 94-012، المعدل، المتضمن للنظام الأساسي للقضاء لم يحل للسلطة التنظيمية أمر تحديد شروط إضافية لولوج السلك القضائي.

وصياغة الشرط "ال 7" ضمن (المادة 21)، لا تترك مجالا لتصور وضع التنظيم لشروط إضافية؛ فالتكوين الذي يجب أن يتلقاه المترشحون حددت مدته، دون محتواه، بسنتين. وهو ليس حصرا على مدرسة للتكوين القضائي بعينها، بل يكفي أن تكون منشأة أو معترف بها من طرف الدولة، ما يحتم لتوحيد مرجعية مدة التكوين الوقوف عند المقتضيات الواردة في النظام الأساسي للقضاء، لا القوانين المنشئة لمدارس التكوين فأحرى بالمراسيم المنظمة لسيرها.

"المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء" وللطبيعة الخاصة لنشأتها لا يمكن للنصوص المتعلقة بها أن تثار كأساس لتعديل الشروط التي حددت بالقانون النظامي المتضمن للنظام الأساسي للقضاء؛

إن هذه المؤسسة العمومية التى قامت على أنقاض "المدرسة الوطنية للإدارة " التي كانت أنشئت بموجب قانون، هو القانون رقم 66 ـ142 الصادر بتاريخ 21 يوليو 1966، المعدل، قد احتاجت ليصار لإنشائها عن طريق المرسوم رقم 2010-225، الصادر بتاريخ 28 أكتوبر2010 إلى أن يعلن المجلس الدستوري وفق (المادة 59) من الدستور أن القانون رقم 66 ـ142 تولى التشريع ضمن المجال التنظيمي؛ ما يخرجه من مجال القانون، ويرتب من ثم إمكانية أن يدخل عليه بمرسوم ما يراد من تعديل

وهكذا نجد المرسوم رقم 2010-225 الذي بعد أن أعلن فى المادة الأولى منه إنشاء "المدرسة "، يلغى في (المادة 3):

"كل الترتيبات السابقة المخالفة لهذا المرسوم" بما فيها طبعا القانون رقم 66 ـ142

ثم لاحقا عمد عمليا، لا نصا، في المرسوم رقم 2010-236، بتاريخ 8 نوفمبر 2010 المتعلق بتنظيم وسير "المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء"، إلى إلغاء مرسوم التأسيس نفسه (2010-225) مع أنه بمرتبة الأصل بالنسبة لمرسوم التنظيم (2010-236) الذي حتى ولو ساواه في الدرجة، لكنه يظل مجرد فرع منه، وذلك من خلال:

-جعل الأمر مجرد إعادة هيكلة للمدرسة الوطنية للإدارة لتتكيف مع متطلبات إضافة مكونتي الصحافة والقضاء؛ فقد نصت (المادة الأولى) من المرسوم التنظيمي على:

" تعاد هيكلة المدرسة الوطنية للإدارة التي أنشئت بموجب القانون 66-142 الصادر بتاريخ 21 يونيو 1966 لتصبح مدرسة وطنية للإدارة والصحافة والقضاء وفقا لترتيبات هذا المرسوم"

-كذلك، وبنقل الوصاية على "المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء" إلى الوزير الأول (المادة 2)، بعد أن كانت (المادة الأولى) من المرسوم التأسيسي قد قضت بإخضاعها لوصاية الوزير المكلف بالوظيفة العمومية.

على خلاف ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنظام الأساسي للقضاء، فلا خلاف على الاختصاص التشريعي (المادة 57)، وأكثر من ذلك بالقوانين النظامية (المادة 89) ؛ ومن ثم يمتنع على غير التشريع تنظيم ذلك المجال.

ليس في الدستور الموريتاني ومواده (ال 100)، ومثله دساتير دول العالم قاطبة، بل ولا في الاجتهاد ولا الفقه ما يسمح بخروج مرسوم على مقتضيات قانون نظامي.

إن اعتماد ثلاث (3) سنوات مدة لتلقى التكوين بعد النجاح في مسابقة اكتتاب للقضاة على خلاف النص الصريح في (المادة 21) من النظام الأساسي للقضاء على سنتين فقط، يجد أساسه في (المادة 5) من المرسوم رقم 2011-032 المحدد لنظام التدريس والتكوين بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء التي نصت على:

"يمكن أن يتم بمقرر يصدر عن الوزير المكلف بالوظيفة العمومية باقتراح من المدير العام للمدرسة إضافة فترة تدريس تحت الاختبار مدتها اثنا عشر (12) شهرا كأعلى حد".

"اقتراح" من السيد المدير العام مقولب في "مقرر" صادر عن معالى وزير ليس هو الجهة الوصية حتى، ويتم خرق مادة من قانون نظامي ، ليبدأ قضاة المستقبل مسارهم المهني على وقع خرق القانون النظامي المتضمن للنظام الأساسي للقضاء الذي يعد احترامه ضمانة لا غنى عنها لمسار مهني لا تتأتى استقلالية القضاء دون تحققها.

مناسبة وفرة المكونين التى ستعرفها "المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء" بفعل "كرنفال المسابقات الوطنية الذي اختتمت به "العشرية" تمكن المدرسة من العودة للتطبيق السليم للقانون؛بتخريج دفعة الطلبة القضاة الحالية وفق الآجال التي حددها النظام الأساسي للقضاء. دونالخشية من انقطاع التكوينات داخل المؤسسة؛ لأن مصدر الخشية مع تدفق الأعداد غير المسبوقة من الناجحين فى تلك المسابقات هو أن لا تستطيع المدرسة استيعاب كل تلك الأعداد.

حل سهل للغاية إذا: مجرد " مقترح" من المدير له، هذه المرة، فعليا سند قانوني ومبرر موضوعي،تتم صياغته فى " مقرر" من الوزير بالعودة للتطبيق السليم للنصوص، وينتهي الموضوع.

حتى إذا أصرت "المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء " على التمادي فى احترام "مقرر" الوزير غير الوصي على حساب النظام الأساسي للقضاء ، وجب على وزير العدل تحمل مسؤولياته التى وردت فى (المادة 22/ ج) من النظام الأساسي للقضاء : أن يقترح بمرسوم بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء تعيين الطلبة القضاة بعد استكمالهم لآخر الشروط الواردة فى (المادة 21 /ج) متى أتموا تكوين السنتين ، قضاة متربصين ، من أجل أن يضمن احترام القانون فى حق من يعول عليهم فى حماية حقوق الآخرين ، حتى يوجد الأمل بسيادة القانون على هذه الربوع.

 

 

                                                                   ذ/ يعقوب ولد السيف

 

خميس, 07/11/2019 - 10:14