صرخة ضد السياج الزراعي!

على عكس ما ظل يتلقاه ويسمعه كل وزير للتنمية الريفية منذ نشأة الدولة الموريتانية وإلى اليوم في كل زيارة للريف وكل اجتماع  بالمزارعين، وكل استقبال لوجهاء في مكتبه، وفي كل ملف طلب تمويل مشروع مودع لدى سكرتيره، وفي مداخلة كل نائب في جلسة برلمانية يحضرها الوزير.. على عكس ما ظل يتلقاه ويسمعه الوزير من الطلبات في هذه المناسبات، ويكون على رأسها دوما توفير السياج لحماية المساحات الزراعية، والتي كان آخرها بالأمس في مدينة سيليبابي خلال اجتماع وزير التنمية الريفية مع المزارعين هناك واعدا بتوفير السياج، وبعد أن انفقت الدولة خلال العقود الأخيرة مئات الملايين لتوفير عشرات أو مئات آلاف الأمتار الطولية من السياج ظلت في الغالب لإقامة إقطاعات يُسيجها أصحابها لاحتكار حشائش لمواشيهم صيفا، أو لحيازة أراض بغير وجه حق، وكثيرا ما يُفككونها ويبيعونها أو يسخدمونها للتزريب على بيوتهم أو مواشيهم، وأحيانا أخرى يسطوا عليها آخرون فيسرقونها. وفي النهاية فإن الهدف من توفير والإنفاق على هذا السياج لم يتحقق، وإذا استمر الأمر فستصبح أراضي البلاد كلها " كّوانتانامو " مغلقة بالأسيجة والأسلاك الشائكة دون مردودية تُذكر!

 على العكس من ذلك فإن البديل الذي نقترحه هنا هو البدء في اتباع مقاربة اللجوء للسياج الأخضر أو البيولوجي عن طريق استخدام الأشجار الشوكية المحلية والمتأقلمة كأشجار السدر والقتاد ( إيروار ) و الهجليج ( تيشط )، وذلك بزراعتها في خطوط حول المزروعات، على أن تتم زراعتها بشكل متقارب وتربيتها وهي لا زالت شجيرات صغيرة، بحيث تكون جذوعها متشابكة وأغصانها ملامسة للأرض لتمنع الحيوانات من اختراقها، وفي نفس الوقت تنموا على ارتفاع كاف لمنع الحيوانات من القفز من فوقها.

وسيحقق هذا النوع من التسييج أكثر من هدف ويقتل أكثر من عصفورين بحجر واحد :

1ـ سيوفر هذا النوع من التسييج نفس الحماية التي يوفرها السياج الحديدي للمساحات وبطريقة أكثر استدامة وبالتأكيد بتكلفة أقل.

2 ـ سيكون هذا السياج بعد تعميمه والاعتماد علية كوسيلة وحيدة للتسييج بمثابة إعادة تشجير لزيادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وزيادة خصوبة التربة وحمايتها من الانجراف.

3ـ ستكون هذه الأشجار الشائكة والمتشابكة بمثابة مصدات رياح ( Bris Vent  ) لحماية المزروعات من قوة الرياح والحرارة المرتفعة، وخلق مناخ ملائم لنمو النباتات وخاصة في مساحات التعاونيات النسوية الصغيرة لزراعة الخضرات.

 4ـ لهذه الأشجار ثمارها واستخداماتها المعروفة تقليديا في الغذاء والدواء، فلأشجار القتاد ( إيروار ) إنتاجها من الصمغ العربي ذي الأهمية الاقتصادية الكبيرة، ولأشجار السدر ثمارها ( النبق ) المعروفة بقيمتها الغذائية والصحية الكبيرة ولها أيضا أوراقها المستخدمة في العلاجات التقليدية، أما أشجار الهجليج ( تيشط ) فقد أصبحت ثمارها مصدرا لزيت عال القيمة الغذائية والعلاجية حصل مؤخرا على اعتماد دولي وباشر مستثمرون محليون استغلال مقدرات بلانا من هذه الثمار.

5ـ سيخلص هذا النوع من التسييج كاهل الدولة من نفقات باهظة ظلت مستنزفة في هذا المجال، والاستغناء عن السياج الحديدي باستبداله بالسياج الأخضر المستديم والأكثر خدمة للبيئة والإنسان.

فما علينا سوى تجريب هذا النوع من التسييج، خاصة في المناطق الرطبة ومناطق التساقطات المطرية المعتبرة، أو تلك التي تتوفر فيها مصادر للمياه مستديمة وكافية، وذلك لضمان النمو الجيد والمستدام لهذا النوع من السياج، ولتبدأ تلك التجربة على التعاونيات الزراعية النسوية ذات المساحات الصغيرة، ليتم تعميمها بعد ذلك على المساحات الأكبر. فلنجرب إذن فكل ما هو حولنا اليوم من تقنيات بدأ بفكرة وتجربة فتوسع فتعميم.. لكن لتكن تجربتنا ومقاربتنا في هذه المجال تجربة ومقاربة من أجل الوصول إلى نتائج وأهداف، ولتكن هذه المقاربة على بصيرة ومن اختصاص برنامج تابع للقطاع له خططه المحكمة، وفنيوه المختصون، ووسائله اللازمة، ومتابعته وتقييمه المستمر.

محمدو ولد البخاري عابدين

 

اثنين, 04/11/2019 - 09:08