من واقع مدينة رمضان في كيفة

كثيرا ما يعلق المواطنون آمالهم و أمنياتهم الخدماتية على المنتخبين المحليين و الحكام .. فيلوذ المنتخبون بالصمت منذ الوهلة الأولى .. و يختفون عن الأنظار إلا في مناسبات تجديد البيعة و الولاء لصاحب الكرسي .

و يعلق الحكام عجزهم على ما يسميه الواحد منهم الإرث الثقيل الذي يخلفه سلفه . و يتحول ذلك الإخفاق إلى شماعة للتبرير، و لازمة يرددها كل مسؤول حين يريد التغطية على فشله أو تقصيره في تسيير قطاعه .

و في بلادنا درج العرف السياسي على ذلك حتى ينقضي العهد دون إحراز اي تقدم في أي مجال . و من أمثلة ذلك ما تعانيه ولاية لعصابة عموما و مقاطعة كيفة خصوصا من فقر و إقصاء و ترد و سوء في الخدمات العامة و غياب شبه تام لدعاة الإهتمام بالولاية و عاصمتها من منتخبيها و مثقفيها و رجال أعمالها .

و تكون المعاناة شديدة كلما تصادف شهر رمضان الكريم مع فصل الصيف على سكان عاصمة الولاية مدينة كيفة التي تعاني أصلا من النقص الحاد في المياه، و الضعف التام في شبكة الكهرباء، و من ارتفاع درجات الحرارة المتزايد بفعل تدمير الوسط الطبيعي .

ينزح الكثير من السكان إلى العاصمة كي يجد ملاذا يقيه الحر و العطش؛ و حين يتكرر الفعل أو حين لا يعود أولئك النازحون تتحول أحياء واسعة إلى أشباح؛ فلم يعد في المدينة ما يغري النفس بالبقاء، و لم يطرأ ما يلبي الحاجات الإنسانية و يعزز الفطرة السليمة المجبولة بحب الوطن .

و من عادة أغلب سكان المدينة أنهم لا يؤجرون منازلهم، و حين ينزحون يتركون المكان خاليا فتتحول بذلك المنازل مع مرور الوقت إلى أطلال تستوقف التأمل في وجاهة الأسباب و البكاء من فداحة النتائج .

لقد أصبح وسط المدينة خاليا من السكان تماما، فالمتجول في أحياء كوميز .. الجديدة .. لقليك .. و التميشة و غيرها سوف يلاحظ ذلك الانكماش الديموغرافي و انفجاره في الأطراف بشكل مهول، حيث هناك تمدد أفقي غير محدود و لا مدروس يجعل المدينة تأخذ مساحة كبيرة جدا ؛ مما يعقد مهمة مواكبة شبكتي الماء و الكهرباء الضعيفتين للواقع رغم حاجة الناس لهاتين الخدمتين .

إن من يزور السوق المركزي سيجده كما كان مكتظا بالباعة و المتسوقين مع عدم التناغم البين بين العرض و الطلب . فنوع المماكسة ينبئ عما بجيب المتسوق من نقد قليل و ما بقلب البائع من طمع في غير محله .

و الغريب أن أسعار اللحوم في هذا السوق هي نفسها في انواكشوط مع فارق كبير في الجودة و النظافة لصالح مجازر العاصمة .

علما أنها منتوج محلي محلي، و الولاية ولاية رعوية بامتياز . فما بالك ببقية المواد الضرورية غير محلية الإنتاج !؟

لقد هجر منتخبو المقاطعة منتخبيهم و نزحوا في هذا الشهر الكريم يستظلون بظلال الراتب .. و بندوات الإفطار و حفلات الظهور و الإشهار . و بالإكرامات المتحصل عليها من خلال خداع السكان ببريق زائف .

إن سكان مدينة كيفة تواقون للتغيير إلى الأفضل؛ لكن نسبة تآكل الأمل لديهم وصلت الخمسين (بضم حرف الخاء) أي (2\5) مما يعطي نتيجة فرضية منطقية حسب الوتيرة التي تمر بها الأحداث، فيجعل قياس الثلاثة أخماس(3\5) المتبقية على الخمسين(2\5) يعطي نتيجة كارثية . حيث لم تشق طريق وعرة في الولاية عموما و لم يبن سد كبير و لم تزرع أرض جديدة و لم تكهرب مدينة و لم تسق أخرى .. فماذا حصل ؟

لم يتغير شيء خلال السنتين الماضيتين؛ فلا البنى التحتية عرفت تطورا؛ بل ساء حالها ، ففي المدينة ثمانية مرافق عمومية تؤجر و أرض الله واسعة .

و الشوارع غاصة بالقمامة .. رديئة جدا و غير سالكة و الأحياء غير مخططة.

و الخدمات الصحية الصحية، و التعليمية التعليمية في سبات منذ عقود و لما تستفق بعد، و معاول الهدم في الوسط الطبيعي شغالة جدا في حملة منتظمة تستهدف القضاء على الغابات من خلال عمليات التفحيم التي تقوم بها بعض الجهات على مرآى و مسمع من السلطات الإدارية و الأمنية و الأهلية .

و تبقى إرادة الشعب بوقودها الشبابي المتسامي على الأطر الحزبية و القبلية هي الملاذ الأخير و القادر على إسماع صوت السكان المقصيين المهمشين المغبونين و المغيبين في وطنهم بعد أن تخلت معظم النخب و الأحزاب السياسية عن دورها و اتضح أن المكاسب و المناصب تبكمها و تعميها .
 

خميس, 15/04/2021 - 13:44