دفاعا عن الشرعية/ محمدٌ ولد إشدو

في الصميم (2)

 

الدستور لم يقيد صلاحيات الرئيس.. وتقرير "لجنة التحقيق" خال مما يدينه

 

أ. الوديعة: أولم يرد اسم الرئيس السابق في التقرير الذي تمت إحالته إلى القضاء؟ كيف تقول إنه لم يرد اسمه فيه؟ 

ذ. إشدو: لم يرد اسم الرئيس السابق إلا نادرا وفي مسائل خالية من أي اتهام، ولم توجه إليه تهمة ولا إلى أحد من وزرائه. ما يتناوله التقرير في صفحاته المئات الثلاث والأربع والستين هو الحديث عن ثلاثة أمور:

1. بعض الاختلالات. والاختلالات ليست فعلا مجرما ومعاقبا بالقانون؛ بل تتراوح بين مسألتين: الخطأ المغتفر، وسوء التسيير؛ وهذا من اختصاص محكمة الحسابات.

2. ضرورة تعديل بعض القوانين؛ وهذا ما أعتبره اقتراحات فضولية.

3. تساؤل عن أسباب أمور جرت يسميها خروقات لبعض القوانين.

لكن ليس فيه، وأتحدى الجميع..

أ. الوديعة: (مقاطعا) لكن الوحيد الذي ورد فيه بالاسم هو الرئيس السابق، وما استغربه الرأي العام إلى حد كبير هو أن موكلكم – الرئيس السابق- رفض أي شكل من أشكال التعاطي مع التحقيق، ويبدو أن هذا تم وفق إستراتيجية لا بد أنكم – أنتم المحامين- من رسمها، ما التأسيس القانوني لهذه الاستراتيجية؟

ذ. إشدو: أنا أتعجب من تصاممكم عما أثرته أمامكم صراحة من محاولات تحوير وتزوير وتلفيق وتعبئة التقرير بما ليس فيه!

فكون الرئيس هو الوحيد الذي ورد ذكره في التقرير بالاسم – كما ذكرتم- أمر لا أساس له من الصحة؛ وهو من التلفيق والتزوير الذي نوهتُ عنه. 

وفيما يتعلق بسؤالكم عن صمت الرئيس فهو كما قال المتنبي:

... في طيه أسف في طيه نِعَمُ.

إستراتيجية السيد الرئيس في طيها نعم على البعض، وفي طيها أسف للبعض. الأسف هو أن لجنة التحقيق البرلمانية ليس لها أي حق، ولا وجود لها إطلاقا في القانون والدستور؛ وبالتالي لا يحق لها أن تسائل رئيسا حاليا ولا رئيسا منصرفا. ولذلك رفض الرئيس مجرد اللقاء بها؛ إذ لا صفة لها ولا أصل ولا فرع.  

أ. الوديعة: كيف لا وجود لها في القانون؟

ذ. إشدو: انتظر حتى أكمل أولا. 

ثانيا الرئيس تعاطى جزئيا مع الدعوات التي توجهها الشرطة إليه ولباها. وتمسكه بالدستور في مادته 93 نعمة من الله. لماذا؟ لأننا لا ينبغي لنا جميعا ببرلماننا ومثقفينا وحقوقيينا ورئيسنا أن نتخلى عن الدستور! فعلى الأقل بقي متشبثا به شخص واحد هو الرئيس عزيز! فموكلنا هو الوحيد اليوم الذي يتمسك بالدستور ويدافع عنه، وهذا حيف كبير على الجمهورية الإسلامية الموريتانية. الدستور لا تقام الصلاة بمواده، وإنما هو الرباط المقدس الذي يربط بين هذه الأمة، ومن تخلى عنه فقد تخلى عن شرعيته وهدم الدولة والمجتمع! 

الأمر الثاني الذي أود قوله لك - وهي نعمة أيضا- هو أن صمته نعمة على الكثير من الناس؛ فالرئيس عندما يتكلم سيكون ذلك وبالا على كثير ممن من مصلحتهم في بقائه صامتا.

إذن فهو اتبع هذه الطريقة دفاعا عن الدستور وتشبثا به حين تخلى عنه غيره. والصمت حق يضمنه القانون للمتهم

أ. الوديعة: لجان التحقيق البرلمانية تقليد معروف وموجود في القوانين. وأعيد تذكيركم بأن الرئيس السابق – موكلكم الحالي- استخدم أداة التحقيق البرلماني ضد رئيس أسبق. كيف يستخدمها آنذاك وتكون قانونية ومباحة، وتصبح الآن غير قانونية ولا جائزة.. وهو متمسك بالدستور؟!

ذ. إشدو: سأجيبكم.. أولا أقول لكم إن لجنة التحقيق البرلماني غير دستورية ولا مشروعة. المواد من 45 إلى 77 من الدستور الموريتاني التي تحدد العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تعطي البرلمان وظيفتين فقط: سَنّ القوانين ورقابة ومحاسبة الحكومة القائمة. وتتجلى رقابة الحكومة القائمة ومحاسبتها في أمرين فقط:

- مساءلة الوزراء؛ فكل نائب يستطيع أن يسائل وزيرا أو وزراء حسب ما هو منصوص في الدستور تحت قبة البرلمان، وأثناء جلسة من جلساته. 

- عندما تتقدم الحكومة ببرنامجها، أو تتقدم بقضية معينة يسائلها البرلمان حولها، ويمكنه سحب الثقة منها تماما.

هذا ما يملكه البرلمان إزاء السلطة التنفيذية. 

لا سلطان للبرلمان إطلاقا على مؤسسة الرئاسة ولا على رئيس في السلطة، ولا على آخر خارج السلطة.

الرئيس الموجود في السلطة للبرلمان عليه سلطان واحد هو اتهامه بالخيانة العظمى؛ وهي تهمة سياسية أساسا، وعقابها هو العزل. أما رئيس ليس في السلطة..

أ. وديعة (مقاطعا): أليس من صلاحيات البرلمان إجراء تحقيق؟

ذ. إشدو: أبدا..

أ. وديعة: أليس من صلاحياته أن يراقب..؟

ذ. إشدو: أبدا.. حسب الدستور الموريتاني فالرقابة..

أ. وديعة (مقاطعا): الدستور يؤسس القوانين، ومنها ما هو نظامي، والبرلمان لديه قانون داخلي.. نظام داخلي له قوة قانون. هذا النظام الداخلي أسس إنشاء لجان تحقيق برلمانية..

ذ. إشدو: أحسنتم في قولكم: البرلمان لديه قانون داخلي ثم قلتم: نظام داخلي. النظام الداخلي والقانون ليسا سواء، وفعلا سمعت قول بعض الناس إن المجلس الدستوري صادق عليه كقانون نظامي.. ولا أساس لهذا من الصحة؛ بل هو من باب الترهات.. فالعلاقات بين السلطات الثلاث لا يمكن بحال من الأحوال أن يتبع فيها إلا ما هو موجود في الدستور، وأعطيك مثالا: فرنسا في تعديل 2007 أنشأت لجانا برلمانية للتحقيق، لكنها في المادتين 51 (1) و51 (2) من الدستور نصت على عدد هذه اللجان ووظائفها، وطريقة عملها، ولم يترك للنظام الداخلي للبرلمان إلا أمر واحد، هو تعيين الأعضاء بأسمائهم!

أ. الوديعة: هذه اختيارات دستورية، لكن ألا ترون أن من الغرابة أن يرى قانوني كبير مثلكم أن كل ما لم يرد في الدستور معدوم قانونا؟! هناك قوانين كثيرة لم ترد في الدستور، وإذا قلنا إن ما لم يرد في الدستور فلا قيمة له فما الحاجة لسن القوانين الكثيرة التي تأتي لاحقا؟ ألا ترون أن في هذا بعض الـ؟؟

ذ. إشدو: لا أعتقد أن فيه شذوذا إذا تفاهمنا على أن هناك ما يسمى تنظيم السلطات في الدولة وتحديد المؤسسات، وأن تنظيم السلطات وتحديد المؤسسات والعلاقات بين السلطات يحكمه الدستور بالدرجة الأولى، ولا يحكمه إلا الدستور؛ بينما الأمور الأخرى تحكمها قوانين.

أ. الوديعة: جيد.. نعود إلى المادة 93. أنتم تعتبرون أن الرئيس لا يساءل عن أفعاله، وأود أن أسمع منكم إجابة واضحة عما يمكن فعله اتجاه الرئيس – أيّ رئيس- إذا فعل أثناء ممارسته السلطة ما لا يدخل في مهماته وواجباته من قبيل ما يتحدث عنه التقرير؟ 

ذ. إشدو: سأجيبك بكلمتين؛ أولاهما أنني لست المشرع وأنتم لستم المشرع. وأن المشرع حين قال إن الرئيس لا يساءل عن أفعاله خلال فترة رئاسته فهو يعني أنه لا يساءل عن أفعاله.

أ. الوديعة: أثناء تأديته لمهمات منصبه، لكن هذا ليس منها. 

ذ. إشدو: سأصل إلى هذا.. 

ثانيةً الدستور لم يقل إن الأمر كذا من مهماته والأمر كذا من مهماته.

ثالثة..

أ. الوديعة: (مقاطعا): هل من مهماته إبرام صفقات التراضي؟ هل منها أن يرعى صفقات الفساد؟ هل هذه الوقائع الواردة في تقرير لجنة التحقيق البرلماني من مهمات الرئيس؟

ذ. إشدو: انتظر حتى أكمل إجابتي ثم قل ما شئت.

حين يقول الدستور إنه لا يساءل فمعنى ذلك أنه لا يساءل. والدستور لم يحدد ما هو من مهماته وما ليس منها؛ بل قال في مادتيه 24 و25: 

"رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني ولحوزة الأراضي". (المادة 24).

"يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويترأس مجلس الوزراء". (المادة 25).

وهذه مهمات وصلاحيات مطلقة؛ فنظامنا رئاسي وليس برلمانيا.

ومن جهة ثانية فأنتم إلى حد الآن لم تقدموا لنا، وحتى تقرير اللجنة البرلمانية لم يقدم لنا شيئا ملموسا يشكل خرقا للمهمات التي أتفاهم أنا وإياك– دعك من كونها في الدستور- على أنها ليست من مهمات الرئيس. فهل قرأتم تقرير اللجنة البرلمانية؟

ثلاثاء, 06/04/2021 - 21:41