تعليمات على طرق إينشيري؟!

نشرت وسائل الإعلام الوطنية أمس أن وزير التجهيز والنقل قام بزيارة للطريق الرابط بين العاصمة انواكشوط ومدينة أكجوجت وأنه لما عاين الأضرار أصدر تعليماته للشركة (التي تنقل الحجارة عبره، لتهيئة حقل السلحفاة - آحميم GTA) بصيانة الطريق واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصلاحه في ظرف وجيز لا يعدو أسبوعا واحدا! 

ويستدعي الحدث إبداء بعض الملاحظات:

1.
الدولة، من منظور القانون، شخص اعتباري مثلها في ذلك مثل الشركات التي تتعامل معها ويجب عليها (الدولة) أن تغض الطرف عن مركزها الخاص وعن سلطتها وتبعية القوة العمومية لها، وأن تتقيد في تعاملاتها مع غيرها بالقانون وأن تفي بالتزاماتها قبل الأشخاص وخاصة المستثمرين، الذين تحفزهم حسابات الربح ويفزعهم الانفاق بلا حساب، مما يتطلب من الموظفين (بمن فيهم الوزراء وحتى الرئيس) تجنب ما قد يسبب اتهام الدولة بالشطط في استعمال السلطة الذي يثور عند إلزام شخص بما لا يلزمه به القانون.. ولذلك فإن توجيه الدولة تعليمات مباغتة لشركة خصوصية وطنية أو أجنبية بالقيام بأعمال إصلاح أو صيانة طريق ما، بحجة أن أعمالها تسببت في ترديه، توجيه غير ملائم وغير جلي التأسيس لأن إلزام الدولة لغيرها، في الظروف العادية، لا يتعين أن يكون إلا بواسطة قواعد القانون المجردة، التي تسري على الجميع، أو بناء على التزامات تعاقدية خاصة.

2.
ويجدر بالشخص الذي ينشد الاعتبار تجنب الارتجال ويليق به الاسترشاد بالبحوث لتفادي حرج ووقع القرارات المباغتة وقد أظهرت الدراسات أن تهيئة حقل سلحفاة - آحميم الكبير GTA تتطلب توفير مليونين ونصف مليون طن من الحجارة وهي كمية تقتضي شحن أكثر من 83.000 شاحنة حمولة كل واحدة منها ثلاثون طنا.. ويتبين مستوى حجم الكمية إذا علمنا أنها تضاهي خمس الانتاج السنوي لشركة اسنيم التي تسير ثلاث قطارات يوميا يتكون كل واحد منها من زهاء مائتي عربة ما كان لها أن تصل لوجهتها لو لم توضع لها سكة حديدية تتحمل ما لا تتحمله الطرق الإسفلتية.. لذلك كان من المتعين على السلطات قبل الترخيص لاستخراج وجلب هذه الكمية الكبيرة من الحجارة من ولاية إينشيري، التفكير في الطريق واشتراط صيانتها أو تشييد طريق موازية يتم نقل المواد المطلوبة عبرها.
وفيما عدا ذلك ليس من المقبول أن لا تكون الدولة الموريتانية قد توقعت مسبقا آثار عمليات الشركات العاملة في تهيئة حقل السلحفاة - آحميم الكبير على المنشآت الوطنية في الطور التمهيدي لإنجاز المشروع، الذي تتم خلاله عادة دراسة الآثار البيئية والاجتماعية. ومن غير المغتفر إغفال السلطات لما يلزم من اشتراط إصلاح الأضرار المحتملة في بنود الاتفاقيات المرجعية بدل الانتباه لأثرها في طور إنجاز الأعمال وإصدار تعليمات متأخرة يثور الشك حول جدوائيتها وأساسها القانوني.

3.
ويبدو أن طريق بنشاب الجديد، الذي لم تستل منه إبر الإنجاز بعد، قد تقعر هو الآخر وربما تتمسك شركات نقل الحجارة بأن تشققاته وحفره ناجمة عن عدم التقيد بالمعايير الفنية كما هو حال طريق "مامغار" المتفرع عن طريق انواذيبو الذي تهالك بنسبة كبيرة بينما لم تمض على إنجازه غير مدة يسيرة مع أن وتيرة سير العربات عليه محدودة جدا.
ومهما يكن فإن صيانة الطرق الوطنية تتطلب التمهيد بردم الحفر ولذلك يتعين التفكير في تفعيل الاحتياطات القانونية مما يتطلب محاسبة تمالؤ الجهات المكلفة بالرقابة التي كثيرا ما كانت مكاتب خاصة يتعين على السلطات وعلى الرأي العام الوطني أن يفكرا في سبل محاسبتها.

4.
ونذكر أنه خلال السنوات الماضية اتفقت السلطات الموريتانية مع شركة MCM، التي تستخرج النحاس من جبال إينشيري وتنقله عبر الطريق الوطني رقم 1، من مصنعها بمدينة أكجوجت إلى ميناء العاصمة انواكشوط، على تجديد طريق انواكشوط - أكجوجت الذي يبلغ طوله 250 كيلومترا، فدأبت الشركة الكندية على بناء مقطع منه كل سنة حتى اكتمل تجديد الطريق قبل أن تهم الشركة بالمغادرة ويبدأ ضغط أشد يبدو أن السلطات لم تأخذه في الحسبان.
وبالمناسبة وبينما ترتفع أسعار الذهب، يجوز التساؤل عن سبب إعفاء شركة Kinross Tasiast من إنجاز مسافة ستين كيلومترا (60) التي تفصل ما بين منجم تازيازت وبين طريق انواكشوط - انواذيبو وهي المسافة التي لا تزال طريقا رملية تتعرقل الحركة عليها عند هطول المطر وفي فترات الجفاف يعرض الغبار، الذي تثيره المركبات عليها، سالكيها لمخاطر صحية وحوادث مميتة.. وفي ذلك السياق من المريب أيضا عدم إلزام شركة تازيازت بصيانة الطريق الرابط بين العاصمتين الذي تدكه آلياتها باستمرار وتجرفه شيئا فشيئا مقابل إتاوة ضئيلة، تدفع لخزينة الدولة، لا تعدو نصف العشر من قيمة الذهب الوفير المستخرج من قور الغيشه ورحابه الإبريزية. 

5.
وفي وارد البحث عن أسباب إهمال صيانة الطرق الوطنية وإعفاء مستخدميها من واجب إنشائها وترميم ما أفسدوه منها قد يكون من المناسب عدم استبعاد فرضيات تضرر الطرق الوطنية من الفساد الذي يبدو، للأسف، أن سبله لا تزال سالكة في وطننا.
وفي اعتقادي أن الأولى أن تبدأ السلطاا بمحاسبة موظفيها المكلفين بالتفاوض وتحضير العقود إذا تبين أنهم قصروا في اشتراط إصلاح الأضرار الناجمة عن عمليات نقل الحجارة من مقالعها إلى رحاب الحقل أما إن كانت الإصلاحات مقررة في العقود المرجعية فالمتعين أن يطلب من المتعامل أن يفي بالتزاماته التعاقدية، التي تقوم مقام القانون، لا أن تصدر له توجيهات أقل ما يقال عنها إن قوتها القانونية غير جلية!؟

6.
ويتعين الانتباه إلى أن الشركات المتدخلة في أعمال إنشاء حقل السلحفاة - آحميم الكبير تعمل بناء على اتفاقيات موقعة بين الدولتين الموريتانية والسينغالية من جهة وبين شركة British Petroleum التي أبرمت عقود مقاولة من الباطن تسند بموجبها أعمالا لشركات من الغير لا تربطها، في الغالب، اتفاقيات مباشرة مع الدولة الموريتانية التي قبلت بإعفاء جل المتدخلين في إنجاز أعمال حقل السلحفاة - آحميم الكبير من أعباء معتبرة.
إن تكلفة ترميم طريق يبلغ طوله مئات الكيلومترات ليست تكلفة يسيرة يمكن إدراجها ضمن سلة الإكراميات التي يؤمل أن تجود بها الشركات الخاصة التي تنشد الربح وتخضع للرقابة والمحاسبة الخاصة والعامة في بلدانها ولذلك فمن غير المستبعد أن تكون التعليمات المذكورة مجرد صيحة في واد بأن لا تترتب عليها آثار ملموسة وأن يبقى الحال على حاله أو أن تكون للأمر تداعيات قانونية كبيرة قد تؤثر في أجندة إنجاز مشروع السلحفاة - آحميم الكبير.

وفي الختام من الوارد الإجابة عن الأسئلة التالية:

أ. ماذا لو رفضت شركة Eiffage الانصياع لتوجيه السلطات لها بترميم الطريق الوطني رقم 1 وتمسكت ببنود عقودها مع BP وباتفاقيات الأخيرة مع الدولة؟

ب. هل تتأثر أجندة إنجاز مشروع استخراج الغاز الذي تعلق عليه موريتانيا والسنغال آثارا كبيرة أم تستمر الأجندة على حساب الطريق الذي لا يستبعد أن تحمله بقية الشاحنات في أظلافها؟

 

المحامي الاستاذ  محمد سدي ولد عبد الرحمن

أحد, 10/01/2021 - 16:58