حواجز الإدارة.. خيبة إضافية

يمثل الإعلان في نواكشوط أمس عن قرار باستحداث مراكز لاستقبال المواطنين في الوزارات، مؤشراً على إدراك متأخر بوجود هوة واسعة بين المواطن والإدارة.. لكن أليس المفترض أصلا أن تكون الوزارات ذاتها مراكز لاستقبال المواطنين وتلقِّي معاملاتهم وإنجازها دون تأخير أو مماطلة وتضييع أوقات وطاقات؟ وهل يكفي قرار خجول ومتواضع كهذا لتضييق تلك الهوة الواسعة كفوهة الكون المظلمة؟ أخشى أن يضيف القرار الجديد حاجزاً آخر على الحواجز الحالية الكثيرة بين المواطن والإدارة. لقد كان المواطن وما يزال يعاني من أبواب المسؤولين الموصدة في وجهه، ومن الطرد أمام مكاتبهم يومياً، ومن التسكع في الحر والبرد عند مداخل الوزارات والإدارات، لساعات وأيام وشهور دون أن يهتم به موظف أو مسؤول أو يعيره أدنى عناية.. ثم ييأس فيلجأ إلى الرشوة أو الواسطة لتسوية معاملته. هذا بالنسبة لمن لديه إمكانية استخدام إحدى الرذيلتين، أما البقية (وهي الغالبية المسحوقة)، فتنكفئ على أحلامها اليائسة وأيام عمرها الضائعة أمام الإدارات العمومية الخائبة! 
هل يمكن الحديث عن دولة عصرية في القرن الحادي والعشرين، يضيِّع مواطنُها أسابيع وأشهر من وقته وطاقته، مضحياً بمصالحه الأخرى، في سبيل إجراء معاملة لا يستغرق إتمامها في دول أخرى غيرنا أكثر من خمس دقائق، وقد تتعذّر عليه في الأخير ما لم يستخدم سلاح الرشوة أو الواسطة؟ 
إن معالجة معضلة كهذه تتطلب ما هو أكثر من مراكز استقبال أو إضافة حواجز جديدة أمام المواطن والمُراجع، ويتعلق الأمر بإحداث إصلاح جذري في الإدارة نفسها، يرتكز في منطلقه ومبتغاه على تغيير المفاهيم والأفهام، بدءاً بإعادة مفهوم الموظف العمومي كأجير لدى الشعب، يؤدي وظيفة خدمية مقابل راتب قدره معلوم من المال العام!

جمعة, 18/10/2019 - 11:44