الدراما الموريتانية وصناعة العبث

يعتبر الإنتاج الإعلامي مرآة الشعوب في عصرنا الراهن فهو الأداة الناعمة لتسويق الدولة لنفسها ورسم الصورة التي تريد أن ينظر بها الآخرون إليها ؛ فقد لعبت السينما الأمريكية الدور القوي في تكوين الفكرة النمطية عن الإنسان الأمريكي وكانت لا عابا فاعلا في تدعيم المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة حين صور نفسه بالمارد القوي ذي الترسانة التي لا تقهر مارد متحضر إنساني ديمقراطي ويحترم حرية التعبير وصورت خصومها بعديمي الضمير المتخلفين الانفعاليين المستبدين والضعفاء وقد نجحت السينما والدراما الأمريكيتين أيما نجاح في تمرير أجنداتها السياسية والثقافية باعتبارهما سلاح أمريكا الناعم.

وقد ساهمت الهالة الإعلامية الغربية في تعزيز معنويات الإنسان الغربي وتحطيم معنويات الشعوب الأخرى من خلال تلك الصورة المستمدة من تقنيات الإخراج والمؤثرات الفنية صورة لاتزال سائدة حتى وقتنا الراهن نتيجة لتفوق الغرب في الإنتاج الإعلامي بشقيه السينمائي والتلفزيوني.

وفي بلداننا العربية تم الانتباه لأهمية الإنتاج الإعلامي حيث دخلت صناعة السينما والتلفزيون كمظهر من مظاهر التمدن والعصرنة وبالرغم من تباين الترسانة الإعلامية العربية مع نظيرتها الغربية تباين أهدافها إلا أنها أضافت لمحة حسنة عن البلدان التي كانت سباقة لهذا المجال 

ويجتهد الإنتاج الإعلامي أينما كان وفي أي بلاد وجد في تكوين صورة براقة عن مجتمعه يقدمها للغير إسهاما في تسويق البلد بحلة بهية وتدعيما وتشجيعا للسياحة وإضافة نوع من الألق على الصورة الخارجية حتى ولو بولغ فيها أيما مبالغة بغض النظر عن الواقع الحقيقي المعاش فقرا كان أو ضعفا أو تخلفا.

والمشاهد للسينما الإفريقية والقريبة من محيطنا في أي بلد تم إنتاجها لن يخرج بصورة صادمة عن البؤس والمسكنة والشقاء والبداوة والعفن كما هو انطباعه حين ينتهي من مشاهدة لقطات لا رابط بينها مما نسميه دراما محلية. تلك الدراما التي تبعث في نفس المشاهد الموريتاني قبل الغير الخارجي نوعا من الضحالة وقلة الارتباط بالمجال والتي لا تقع عينها في أنحاء العاصمة المتباينة سوى على أماكن العفن والفقر والنفايات.

لقد شكلت النجاحات التي حققها مخرجون موريتانيون في الغرب نقطة مضيئة عن صورة موريتانيا السينمائيةبالرغم من كونها صورة صنعها أفراد محترفون لا يزال شغفهم بالسينما يدفعهم لتقديم المزيد حتى رفعوا اسم بلدهم عاليا في محافل دولية توجوا على مسارحها بتكريمات رفيعة لعل أبرزهم المخرج الموريتاني العالمي عبد الرحمن سيساغو والذي نافس فيلمه تمبكتو على الأوسكار في مرحلته النهائية لسنة 2015.

وبالرغم من تلك النجاحات الخارجية لشخصيات موريتانية في الخارج إلا أن الواقع الداخلي لا يمت لتلك النجاحات بأية صلة فقد شكل غياب معاهد للفنون الجميلة ودور للسينما غيابا تاما للإنتاج الإعلامي الموريتاني بشقيه السينمائي والتلفزيوني ليملئ ذلك الفراغ بمهتمين بالتمثيل والإخراج ليس لديهم أي إلمام بالمجال ولا يملكون أية دراية بتقنيات الإخراج ولا الإنتاج ولا التمثيل ؛ شبه هواة يحاولون القيام شيء ما يملؤون به الحيز الفارغ من حياتنا الثقافية ؛ لتخرج المادة المنتجة مبتذلة سطحية وساذجة بدءا مما نسميه الدراما الرمضانية تلك المهزلة التي شوهت صورة البلد أيما تشويه فصورت الإنسان الموريتاني بالفقير المعدم الساذج وصورت عاصمته بالريف الذي تغطيه الخيام والأوساخ والرمال والأكواخ المتناثرة ؛ دراما بمشاهد مرتجلة يغيب فيها السيناريو والحوار وتقوم على أساس الفكرة فقط فكرة تنتتج دون مراعات للجوانب الأساسية لأبسط تقنيات الإنتاج فضلا عن رداءة الإخراج والتصوير وغياب تام للموسيقى التصورية .

فعندما يتولى الأمر غير أهله فلا يمكننا أن نحصل على صورة أكثر تعبيرا عن حياتنا المجتمعية أفضل من تلك الصورة التي تذبحنا بها الدراما الرمضانية كل سنة.

لقد شكل افتتاح دار السينمائيين الموريتانيين خطوة مهمة كان على الدولة تشجيعها والانطلاق عبرها نحو خلق وسط إعلامي محترف عن طريق إنشاء معاهد للفنون الجميلة يعهد إليها بالتكوين في مجالات الإنتاج الإعلامي المختلفة وخلق مؤسسات للإنتاج الإعلامي تزود السوق الرمضانية بمسلسلات موريتانية خالصة تحترم معايير الإنتاج التلفزيوني وتشكل جانبا آخر يجد فيه الشباب المبدعين ذواتهم ويجد فيه الإنسان الموريتاني تاريخه مجسدا ومقدما إليه بحلة بهية.

إن خطوة مهمة في هذا الصدد يجب أن تتحقق من أجل التحاق البلاد بالركب السينمائي والمسرحي سبيلاللاهتمام بموروثنا الثقافي الغني والزاخر وتقديمه كمادة سينمائية وتلفزيونية ومسرحية بأيادي موريتانية خالصة أيادي تقدم الموضوع على الوجه الذي يجب أن يقدم به بدلا من استمرار تشويه صورة البلاد من خلال ذلك العبث الذي نطلق عليه ظلما وبهتانا دراما رمضانية. 

 

 أحمد سالم المصطفى الفايدة

 

سبت, 19/12/2020 - 12:47