النظام الضريبي هو الأساس الذي يقوم عليه نظام التكافل الإجتماعي

تلقي مسألة كيفية تصميم السياسة الضريبية  بثقلها على أذهان صانعي القرار في موريتانيا. فالضرائب من أهم المصادر للحصول على الموارد السيادية للدولة و أنجع الوسائل لإعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع (Politique Fiscale).

التخفيضات الضريبية و الجمركية  قد تتعارض احيانا مع الإصلاحات الضريبية التي تهدف إلى زيادة النمو على المدى المتوسط....فعلا سبيل المثال، تخفيض ضريبة القيمة المضافة  (عكس ما يعتقده البعض) لا يعتبر إجراء فعالاً في تحفيز الطلب!  فقد أظهرت الدراسات أن تخفيض نسبة القيمة المضافة هو تحفيز للعرض على المدى القصير والمتوسط عن طريق زيادة ارباح الشركات و الأعمال الحرة (الخاضعة للضريبة).

 

عندما سألته الصحفية " هل بمقدور الحكومة البريطانية الموافقة بين زيادة الإنفاق العام و خفض الضرائب؟" كان رد بوريس جونسون:   

"كما أشار العالم التونسي العظيم و الحكيم ابن خلدون ، في وقت مبكر من القرن الرابع عشر ، هناك العديد من الضرائب التي سيمكننا تخفيضها من زيادة الإيرادات الضريبية ". 

يقول ابن خلدون حول النظام الضريبي:

         "اعلم أن الجباية على الناس في بداية نشأة الدولة تكون قليلة، وفي آخر الدولة تكون كثيرة. والسبب في ذلك : ١- أن الدولة إن كانت قائمة على الدين فليست تأخذ من الناس الا المغارم الشرعية من الصدقات والزكاة والخراج والجزية،وهي حدود لاتتعدى. ٢- أو تكون الدولة قامت ونشأت بالتغلب والعصبية وفيها البداوة،والبداوة تقتضي المسامحة والمكارمة والتغافل عن أموال الناس."

يعد التغير التدريجي لمفهوم الضريبية، عبر العصور، أحد أبرز سمات التاريخ الاقتصادي ومن الصعب تصور دولة حديثة قادرة على حماية نفسها و توفير الرفاه لشعبها بدون  نظام ضريبي فعال.

منذ العصور الأولى ، توجه البشر  إلى التجمع بدءًا من الأسرة و حتى الدولة الحديثة، فتغيرت المفاهيم  و تنازل الأفراد  عن السلطة في العديد من المجالات و اخذت الضريبية مفهوم المصلحة العامة. بداية من الشمال الشرقي لإفريقيا مروراً بالعصر اليوناني و الإدارة الرومانية و بيت مال المسلمين وحتى التاريخ الأوروبي في العصور الوسطى ، تم تنويع و فرض ضرائب جديدة على الميراث والملكية و السلع ثم استخدمت هذه الأموال لدعم الجيوش وبناء الطرق و الجسور.

 

و يرجع تاريخ أهم الحركات السياسية الغربية والثورات والمؤسسات الديمقراطية إلى رفض الشعوب للضرائب التعسفية.  فبداية الحكومة البرلمانية في بريطانيا يرجع إلى تقييد قدرة الملك جون على فرض الضرائب بداية القرن الثالث عشر  ( Magna Carta 1215) و الثورة الأمريكية كاحتجاج على قيام بريطانيا بفرض ضرائب على المستعمرات الأمريكية دون موافقة الهيئات التشريعية المنتخبة لها.

 

كما أشعلت الضرائب فتيل الثورة الفرنسية و لذالك يوجد في معظم البلدان مبدأ دستوري أساسي مفاده أن أي فعل ضريبي يجب أن يكون له أساس قانوني. يعني أنه لا ضريبة إلا  بالقانون.

 

النظام الضريبي هو الأساس الذي يقوم عليه نظام التكافل الإجتماعي. و الضرائب تسمح بتمويل الخدمات العامة و توزيع الدخل و هي مزايا تصاحبها و للأسف الشديد مقايضة بين الإنصاف و الفعالية.

 

 

"هذه ترجمة سريعة لمقتطفات من مقال كتبته سابقا"

سبت, 28/11/2020 - 14:44