سياسة "الترصاف"!

دأب النظام السابق في سنيه الأخيرة، والمطبلون المتملقون له، على "ترصاف" سنة 2008 من مسيرته، وحذفها من عمره وكأنه لم يكن بينها وبين سنة 2009 يوم واحد!

لذلك فإن تاريخ حكم الرئيس السابق, الذي ارتضاه لنا تاريخا وحيدا، في أضحوكة إعادة كتابة التاريخ، إنما يبدأ من 2009 التي اعتبروا انتخاباته فيها تشريعا لتمرد 2008! وهذا هو مبنى ومعنى "عشريته" المثيرة للجدل والخديعة; لأنها في الواقع "إحدى عشرية".

وسواء كانت تلك "لترصيفة" تعبيرا مكنونا عن شعور بالذنب، كما يجب أن تكون، أو كانت مغالطة غبية، فإنها مستحيلة، لأنها كانت هي الأساس والسبب الذي قامت عليه عشرية عزيز؛ بل نخشى بجدية الآن أن تكون تبنى عليه عشرية أخرى!

وعلى "النهج" ذاته تعامل النظام الحالي عبر إعلامه الرسمي مع سيرة الرئيس الأسبق المحترم سيدي ولد الشيخ عبد الله، حين فرض رحيله وتأبينه التطرق إليها. فقد بدا أنه يرغب في التنويه بالرجل ومجاراة سيل المحبة والثناء الجارف الجاري عنه بين الناس, وفي ذلك شيء من "شكر أجواد..."!

ولكن ظهرت مشكلة الحديث عن انقلاب أو تمرد 2008 الذي أطاح بالرجل وظلمه وأهانه بقدر ظلم الشعب وإهانة الدولة...

فجاء المخرج والحل بسيطا وقريبا: القفز العالي السريع فوق ذلك الحدث، رغم أنه كان الأهم والأبرز في حياة وسيرة الراحل، وكان بالأمس!

فهل كانت تلك "الترصيفة" لذات الأسباب؛ أي الشعور بالذنب والإحساس بكفل من ذلك الحوب, أم هو مثله أيضا: مغالطة غبية؟!

لا ينتهي الترصاف؛ ففي سجل العشرية وما قبلها وما بعدها اليوم دأبت أنظمة العسكر الانقلابية على رياضة "الترصاف" خلال شهر نوفمبر خاصة، ببترها تاريخ الدولة وتجاوز ما قبل 1978 من وجودها, وخاصة الأسس والوقائع الإبداعية التي خلقت هذه الدولة نفسها من "الفيافي"!

فكانت تلك الرقصة الهزلية الدائمة التي تحتفل بذكرى الاستقلال ومسيرة الوطن، لأجل أن تبرز فقط إنجازات وعبقرية الرئيس الحالي... أيا كان!

وبما أنه لكل رياضة أو رقص قواعد وقوانين, فإن القاعدة المشتركة والقانون المتفق عليه, حتى اليوم, هو الفقز على مرحلة الرعيل الأول المؤسس وقائده الأستاذ المختار ولد داداه، وحظر ذكر ما بذلوه من جهود وتضحيات في أقسى الظروف وأخطرها...  فكانت سنة مختلف الانظمة الانقلابية هي:

= أن الجمهورية الاسلامية الموريتانية لم تكن قبل اليوم 2020؛

= وكانت تأسست وظهرت للوجود 2009 (تفاديا لـ"كبسة" القرن: 2008)؛

= وحقيقتها الثابتة المخلدة أنها لم توجد قبل 1984؛

= وهي لم تكن شيئا مذكورا قبل 1979؛

= والمجمع عليه الذي لا خلاف على شواهده ومعالمه أنها لم تكن في الوجود قبل سنة 1978م...!!

من هنا يتبين لمن يفكر ويقدر الداء العضال وسبب الاختلالات والانقطاعات والتناقضات التي جعلت هذه الدولة لا تتحرك إلا إلى الوراء ثم وراء الوراء... بينما تقوم الدول وتتقدم بالاستمرار والتنسيق والترابط والتراكم... بين تجارب أنظمتها وأزمنتها المختلفة...

وهكذا "ترصيفة" بعد أخرى, بعد أخرى، بعد أخرى... نصل في النهاية قرار الهاوية...!!

عيدا سعيدا

م. محفوظ ولد أحمد

جمعة, 27/11/2020 - 18:05