أزمة القيم (الغش في الامتحانات نموذجا

عرف العرب قديما بالوفاء والصدق واعتبر ذلك من مكارم الأخلاق التي بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليتممها، ففي الأثر (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وبمجيء الإسلام تعززت هذه الخصال الحميدة وتحلى بها العربي الجديد الذي آمن برسالة الإسلام الخالدة وأصبح ذلك سلوكا عربيا أصيلا وإسلاميا ثابتا.

سجية تتوارثها أجيال الأمة في مختلف أقطارها وأمصارها. غير أن ما عملت عليه القوى المعادية للأمة في صراعها الحضاري بدا يعطي ـ وللأسف ـ أكله فقد بدأ ضعف الوازع الديني يدب في نفوس أبناء الأمة وبدت القيم العربية الأصيلة في تراجع وتراجع الإحساس بالمسؤولية في مختلف المجالات ومات الضمير المهني لدى غالبية موظفينا ومسؤولينا وعشعش الفساد وحب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة بيننا، وراج البحث عن النفوذ وتقوية المركز المالي بأي ثمن كان على حساب الشرف والكرامة، فاندثر الإباء وماتت النخوة وضعفت الهمم ولانت العزائم ولم يعد الاحتشام من أقل العيب موجودا.

وتبدو اللوحة أكثر قتامة إذا عرجنا على ظاهرة الغش في الامتحانات وهي الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تنتشر في مختلف حياتنا التعليمية وأصبحت حملات المناصرة لها تعرف اتساعا قل نظيره بين آباء التلاميذ وجهات التدريس والتأطير وحتى جهات الإشراف إلا من رحم ربك.

ولذلك أصبح الكثير من التلاميذ لا يعير أي اهتمام للتحصيل ولا للمراجعة لأنه يعول على عديد الأطراف من مراقب (فضيل) سيسعفه بما صعب من أسئلة الامتحانات إذا لم يقدم حله فوق السبورة، أو وكلاء تجمهروا رفقة مؤجرين ينتظرون من أحد أطراف الرقابة (مراقب أو رجل أمن أو مشرف أو نائبه) إخراج الموضوع في اللحظات الأولى ليقوم المؤجرون بحله وإدخاله مع أحد أطراف الرقابة.

أو يعول على المجلدات المكتوبة بخطوط صغيرة أعدت خصيصا لهذا الغرض من طرف الوراقات المنتشرة التي لا تخاف الرقيب ولا بأس ما دام العمل مدرا.

أو يعول على لطافة المراقب وسلاسته حفاظا على نفسية المترشح ليتمكن من نقل ماهو بجعبة الجالس جنبه أو عبر مسارات الغش المرتبة والمرسومة من طرف تلاميذ القاعة.

لكن ما يثير القلق وينذر بالخطر أكثر هو ما وصل إليه الحال من تسريب مكشوف لمواضيع الامتحان من طرف الجهات المؤتمنة عليها، والتلاعب بالنتائج والمتاجرة بها عبر المواقع الالكترونية بطرق سافلة ورذيلة.

إن تجاهل المجتمع لقواعد ديننا الإسلامي وثوابت قيمنا العربية يعني الاندثار والفناء فأين نحن من وفاء السموأل وصدق الصديق وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا).

إن الاستمرار في هذا النهج يعني الحكم على مستقبل أجيالنا بالضياع والترهل كما يعني انقلابا في قيمنا ينبغي أن يندفع المؤمنون بأمتهم والساهرين على مستقبلها بالتصدي بحزم له والمطالبة الجادة من القيمين على الشأن العام باتخاذ التدابير اللازمة لوقف مسلسل الخزي والعار هذا فإنما الأمم الأخلاق مابقيت.

جريدة الدرب

ثلاثاء, 03/11/2020 - 14:48