لماذا لا نزرع الخضروات؟

يتساءل البعض عن الأسباب التي تقف وراء عزوفنا عن زراعة الخضروات في ظل الندرة واضطراب التموين من حين لآخر.

والحال أن الإجابة التي يقدمها علم الاقتصاد تكفي لإضاءة مختلف جوانب المسألة؛ فنحن ببساطة شديدة لا نملك ميزة نسبية لإنتاج سلع زراعية وسيظل استيرادها، في المدى المنظور، أقل كلفة وأكثر ترشيدا للمياه والطاقة..

أحد الاقتصاديين الأمركيين قال مرة: "يمكننا أن نصنع السيارات في دترويت أو نزرعها في ولاية أيوا" أي أنه يمكننا بكل بساطة أن نستعيض عن صناعة السيارات في ديترويت بالزراعة في أيواومقايضة المحصول الزراعي بسيارات مستوردة من اليابان مثلا.

يمكن لأحدهم أن يعترض متسائلا: لماذا لا نقوم بالأمرين معا.. نصنع السيارات في دترويتونزرعها أيضا في ولاية أيوا؟

المنطق الاقتصادي لم يعد يعتبر السؤال السابق وجيها ومشروعا بعد أن حسم الكلاسيكيون الانجليز المسألة منذ عشرات السنين وخاصة مع نظرية ريكاردو حول التجارة الخارجية والتي تقوم على مبدأ الميزة النسبية.

ونقول عن دولة ما أنها تمتلك ميزة نسبية في إنتاج سلعة معينة حين تكون هذه الدولة قادرة على انتاج تلك السلعة بجودة أكبر وسعر أقل مما هو منتج في الدول الأخرى.

فإذا كان المناخ الدافئ في شبه الجزيرة الإيبيرية مناسبا لزراعة الكروم فهذا يعطي إسبانيا ميزة نسبية على بريطانيا في إنتاج عصير العنب، وبالمقابل فإن التطور الصناعي في بريطانيا يتيح لها مع آلات حياكة نوعية ميزة نسبية في مجال النسيج وإنتاج الملابس.

يرى ريكاردو أن الخيار الأفضل لكل دولة هو أن تتخصص في إنتاج السلعة التي تمتلك فيها ميزة نسبية وستحصل من عائدات تصديرها لهذه السلعة على سلع أخرى منتجه في دول تمتلك ميزة نسبية في إنتاجها وبأثمان أرخص.

إذا قمنا بمحاولة إنتاج الخضروات في موريتانيا التي لا تملك ميزة نسبية في إنتاجها فستكون تكلفة الوحدات المنتجة أكبر من تلك المستوردة ولتغطية الفارق في التكلفة سنعمد للاستعانة بعائدات نقتطعها من قطاع آخر هو دون شك قطاع التعدين، وستكون الخسارة كبيرة جدا.

لكن ما لا يدركه البعض.. هو أننا في الحقيقة ننتج الخضروات.. لكننا نزرعها في حقول غير معهودة.. نزرعها في الصخور الصلدة على الجبال في ازويرات.. ونزرعها أيضا في عمق الأراضي القاحلة في تازيازات.. أما كون موائدنا خالية حاليا من "سلطة الخضار" فتلك "مسألة لوجستية" يمكن لوزارة الخارجية أن تحلها..

 

اثنين, 26/10/2020 - 20:36