فيديرب والتنقيب عن الأعراق في حوض نهر السنغال

لم تحتفظ ذاكرة البيظان بكثير من الود تجاه هذا الحاكم الفرنسي الذي قوض نفوذهم منتصف القرن التاسع عشر جنوب النهر في اتفاقية مع إمارة الترارزة أطلقوا عليها تبرما بها "اجبيِّرْ واوْ" أي "صلح نعمْ،" لكن دارسي اللغات الأمازيغية يدينون له بأول وصف للصنهاجية (كلام زناگـة). لقد كان امَّــيْـسَ فدغُ، كما يُـسمى فيديرب في الموروث الشفهي، بالإضافة إلى نشاطه العسكري المحموم، تجسيدا لعنفوان الاستشراق الفرنسي وتعبيرا عن تلك الروح الاستعمارية التي تريد أن تعرف كل شيء، وتصنف كل شيء، لتسيطر على كل شيء.
وكان لفيديرب اهتمام خاص باللغات المتحدثة في حوض نهر السنغال وجواره وبشعوبها. فقد ألف عن الحسانية والبولارية والوولفية والسيريرية والسونونكية. وفي سنة 1877 أصدر ما كان قد جمع قبل أكثر من عشرين سنة عن الصنهاجية في كتاب بعنوان: Le Zénaga des Tribus Sénégalaises : Contribution à l'Etude de la Langue Berbère صنهاجية قبائل السنغال: مساهمة في دراسة اللغة الأمازيغية. وليست الإضافة للسنغال هنا سوى مركزةٍ من فيديرب للمستعمرة التي أشرف على توطيد نفوذها في وقت لم تحمل فيه موريتانيا بعد اسمها الحالي.
قدم هذا الكتاب الذي جمع بمساعدة قاضي سينلوي أبو المقداد الأب وعسكري يدعى عليون صال أول وصف نحوي وصرفي لهذه اللغة بالإضافة إلى لائحة من نحو ألف كلمة بمقابلها الفرنسي ونحو ثلاثمئة جملة مترجمة إلى الفرنسية. ورغم ما علق به من هنات تتعلق بحالة الدرس الألسني حينها وما شابه من عنصرية استشراقية، فإنه تضمن معجما ثريا وقواعد أساسية من نحو هذه اللغة وصرفها (البناء للمجهول بإضافة "تْشْ"، "المضارعة" بإضافة "تْ"، أداة النفي "وَرْ/وَلْ".. إلخ) خلص فيديرب بعد مقارنته مع ما جمعه الجنرال أدولف هانوتو عن تماشغ وتاقباليت إلى تأكيد انتماء الصنهاجية لعائلة اللغات الأمازيغية، وقربها من اللغة العربية، واختلافها الجذري عن البولارية.
وفضلا عن الإضافة اللغوية لهذا الكتاب، فإنه يقدم، من خلال الأمثلة والجمل، صورة عن الصراعات التي كان فيديرب يخوض ضد أمير الترارزة محمد لحبيب ودامل كايور والحاج عمر تال، ويعطي لمحة عن نشاط محطات التبادل التجاري. وقد حرص الكاتب على أن تحمل الأمثلة والجمل الصنهاجية رؤيته الخاصة، كما في قوله: تسَّـنذْ آشْ أورْمِ ورْ يشْمرظَيْ، أي "تعلمُ أن الرجل الأبيض لا يكذب"، والحقيقة أني أسَّــنَگـْ آشْ أورْمِ يشْمرظَي واءْجَّــهْ أُ يتَّــأْگـَــرْ!

 

باب ولد حرمة

 

خميس, 01/10/2020 - 10:11