مخطط الجودة الشاملة لتطوير النظام التعليمي في موريتانيا (الجزء الثاني)

منذ ما يزيد علي القرن ونصف القرن، وصناع القرار في العالم يدركون أهمية البحث العلمي في تطور الشعوب والأمم، لذا حظي البحث العلمي باهتمام كبير من واضعي السياسات العامة، والأكاديميين ورجال التربية وخبراء الاقتصاد، وخصصت الدول المتطورة ميزانيات كبيرة للإنفاق علي البحث العلمي، ومراكز الدراسات، ووضعت لذلك الغرض مؤشرات ومعايير لقياس الجودة والأداء مع المراجعة الدورية والتقييم المستمر، وحتى مطلع الألفية كان النظام التربوي والتعليمي يعد جزءً من البحث العلمي، إلا أن تجربة ارتقاء وتطور شعوب جنوب شرق آسيا السريع واللافت نحو القمة، بالتزامن مع صعود الدول الاسكندينافية واحتلالها لمراكز متقدمة في مجال الجودة وكفاءة الأداء في المجال التعليمي، هذان الأمران جعلا العلماء والخبراء يعيدون حساباتهم بعد أن أدركوا أن النظام التعليمي هو القاطرة التي تجر خلفها كافة قطاعات المجتمع سلبا وإيجابا، بما فيها البحث العلمي. 

أدي الصعود المبهر واللافت للنمور الأسيوية مع مطلع الألفية إلي تغيير شبه كلي في معايير وأسس تقييم ظاهرة الارتقاء والتطور للدول، فطفقت المراكز البحثية الرصينة في العالم، ولا سيما في الغرب في البحث عن آليات جديدة لتقييم تلك التجارب التي تجاوزت المعايير التقليدية في تقييم الظاهرة كما كان متعارف عليه في الدول الغربية – التي كانت تري في دولها المركز وبقية العالم أطراف تدور في فلكه حتى مطلع الألفية!- حيث لم تعدالأدوات القديمة بمقدورها مجاراة نسق التغيير المتلاحق، وفق جملة متغيرات بنيوية ذات تداخل غير مألوف، الأمر الذي أوجد طرائق تقييم جديدة علي شكل مؤشرات باتت ملائمة لتفسير الظاهرة بشكل علمي، بل إن هذه المؤشرات الجديدة استطاعت أن تقدم تفسيرات باتت مقنعة لظاهرة التراجع المعرفي والعلمي لدول عظمي كفرنسا التي وجدت نفسها علي الصعيد العلمي والمعرفي تتراجع عشرات المراتب إلي الخلف، والولايات المتحدة التي تصدرت قوائم العالم لعقود عديدة في شتي المجالات المعرفية والعلمية، تقف عاجزة عن الدخول إلي القائمة الذهبية للدول العشرة ذات أفضل نظم تعليمية في العالم، وهي التي تصدرت القائمة لما يزيد علي نصف قرن دون منازع وبدون منافسة جدية! 

ظاهرة النمور الأسيوية(كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ وماليزيا) ولاحقا الصين، بالتزامن مع صعود الدول الإسندنافية وتحديد فنلندا والنرويج والسويد، أوجدت مؤشرات عالمية متعارف عليها لقياس جودة النظم التعليمية أهمها :

1. مؤشر بيرسون العالمي للمهارات المعرفية والتحصيل التعليمي، الذي يوضح ترتيب العالم في مجال التعليم، ويسعى هذا المؤشر إلي استخلاص بعض الدروس الرئيسة حول الترابط بين التعليم وتنمية المهارات والاحتفاظ بهاواستخدامها.

ويعتمد هذا المؤشر علي نتائج تحليل جزء كبير من بيانات التعليم التي يمكن المقارنة بينها عالميا عبر:

- بنك بيانات منحني التعليم Learning Curve Data Bank(LCDB). حيث جري تحديث بنك بيانات منحني التعليم ، الذي تم جمعه لأول مرة عام 2012، ليضم بالإضافة إلي مؤشرات أخري، أحدث نتائج الاختبارات، مثل: 

- اختبار مدي التقدم في القراءة والكتابة الدولي، بيرلز "PIRLS"

- اختبار الاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم، تيمس"TIMSS"  

- اختبارات برنامج التقويم الدولي للطلبة، بيزا "PISA"

- المخرجات الأولية من برنامج التقويم الدولي لمهارات البالغين، PIAACK، الذي يبحث  في مستويات المهارات المعرفية بين السكان.

2. مؤشر بيرلز(PIRLS): Progress in International Reading، وهو قياس دولي يظهر مدي تقدم الطلبة في القراءة بلغتهم الأم في جميع أنحاء العالم، تنظمه الجمعية الدولية لتقويم الإنجاز والتحصيل التربوي(International Association  for The Evaluation of Education and Achievement -IEA)، ويشرف عليه مركز الدراسات الدولية في كلية بوسطن بالولايات المتحدة، ويحظى بدعم البنك الدولي والعديد من المراكز البحثية العالمية، ويجري كل خمس سنوات لطلبة الصف الرابع من التعليم الأساسي ، أخر دورة كانت العام 2019، وشارك فيها ما يزيد علي نصف مليون تلميذ من مختلف مدارس العالم المصنفة. 

3. مؤشر تيمس(TIMSS): Trends in International Mathematics and Science، الاختبارات الدولية لتقويم الاتجاهات العالمية في تدريس الرياضيات والعلوم لطلبة الصف الرابع والثامن من التعليم الأساسي، وقياس مدي فعاليتها وانعكاسها علي أداء الطلبة وتحصيلهم العلمي، وتجري هذه الاختيارات تحت إشراف الجمعية الدولية لتقويم الانجاز والتحصيل التربوي.(International Association  for The Evaluation of Education and Achievement -IEA)،

4. مؤشر بيزا (PISA): Programme in International Student Assessment، البرنامج الدولي لتقويم الطلبة، وهو اختبار موحد تجريه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ويقيس مهارات الطلبة في عمر 15 عاما في مجالات القراءة والرياضيات والمعارف العلمية والعلوم الطبيعية. تشارك فيه عادة من 43 إلي 65 دولة( علما بأن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يتجاوز 36 دولة).

5. مؤشر الإبداع: تقرير الإبداع العالمي الذي تصدره جامعة كورنيل Cornell Univ. وكلية انسياد لإدارة الأعمال INSEAD والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) WIPO.

6. مؤشر التنافسية العالمية: الصادر عن المنتدى الاقتصادي العام.

هذه المؤشرات العالمية الستة أضحت المعيار لقياس كفاءة وجودة أداء النظم التعليمية في العالم، ودون الدخول في تفاصيل إجرائية حول الآليات المتبعة لأجراء هذه الاختيارات والمعايير  المتبعة للقياس، لأن المجال لا يتسع لها هنا، وتحتاج إلي دراسة منفصلة، سنقوم بها إن شاء الله بعيد الانتهاء من وضع هذا المخطط الإجرائي لتطوير وتحديث النظام التعليمي بموريتانيا. هنا وفي هذا السياق لا بد من التنويه إلي حقيقة أضحت قناعة  لدي المخططين العامين وواضعي السياسات العامة، مفادها أنه يستحيل عمليا نسخ تجربة تنموية ناجحة لمجتمع ما وتطبيقها حرفيا، ولكن يمكن استلهامها والعمل علي تكييفها مع البيئة المحلية ومواءمتها للعقلية السائدة وللعادات والتقاليد والقيم والمثل الأخلاقية المحلية حتى يمكن استزراعها بنجاح في التربة المحلية،  أما عملية الاستنساخ الحرفي دون تشذيب كما فعلت العديد من الدول العربية والإفريقية، فقد باءت بفشل ذريع أدي إلي هدر الوقت والجهد دون طائل، وفي أحسن الأحوال  كانت المخرجات هجين لا قرار له ، ولم يحدث التأثير المطلوب أو يحقق المستهدف منه، كما حدث في المملكة العربية السعودية خلال العقدين الأخيرين وكذا نيجيريا، رغم ما تمتلكان من إمكانيات كبيرة، فكلاهما عملاق اقتصادي في العالمين العربي والإفريقي.

********************************

الدول التي طورت نظمها التعليمية وانتقلت من خانة التخلف إلي رحاب المدنية الرحبة وتبوأت أعلي المراتب وصارت تناطح في صدارة العالم، بدأت بالتركيز علي تطوير نظامها التعليمي والتربوي واستثمرت في التعليم وفق خطة وطنية شاملة، التف الناس جميعا حولها.

إن الأهداف والمخرجات المرجوة للتعليم هي الصفات التي يطمح  المعلمون والمدرسون أن تكون لدي كل موريتاني وموريتانية عند استكمال تعليمهما الرسمي، وتسمح بتقرير جودة سير نظام التعليم، وتترجم النتائج المرجوة من التعليم إلي مجموعة من النتائج التنموية لكل مرحلة رئيسة من نظام التعليم في موريتانيا. وتعبر نتائج المراحل الأساسية عن الطموحات التي تعمل دوائر التعليم علي تنميتها في الطلبة عبر مراحل التعليم الـتأسيسية والابتدائية والمتوسطة والمرحلة ما بعد الثانوية. تبني كل مرحلة تعليمية علي المراحل التي سبقتها، وتشكل أساسا للمراحل اللاحقة.

الأهداف العامة للخطة الوطنية الشاملة لتحديث النظام التعليمي في موريتانيا:

جميع الخطط ومشاريع المجتمع التي عملت علي التطوير والتحديث، وعملت علي تحقيق جودة عالية للنظام التعليمي المتسم بأداء مرتفع، وضعت أهداف عامة ثابتة، خلاف الأهداف الإستراتيجية المرحلية، تتمحور حول تشكيل مستقبل الدولة عن طريق تشكيل الأشخاص الذين سيحددون مستقبلها، لذا ينبغي أن تحرص دوائر التعليم في موريتانياعلي تزويد الأطفال بتعليم متوازن يعمل علي تطويرهم واستغلال كامل إمكانياتهم، وتنشئتهم ليصبحوا مواطنين صالحين، واعين بمسئولياتهم تجاه عائلاتهم ومجتمعهم وبلادهم. عبر سعي النظام التعليمي في موريتانيا إلي رعاية كل طفل، ومساعدة جميع الأطفال علي اكتشاف مواهبهم، وإدراك كامل إمكانياتهم، وتنمية شغفهم بالتعلم مدي الحياة. ويجب أن يكون هدف السلطات المحلية الموريتانية تكوين الرغبة لدي الشباب للتفكير بطرق جديدة مواكبة لروح العصر العلمية، وتعلم طرائق حل المشكلات، وإيجاد فرص جديدة للمستقبل، وبدرجة لا تقل أهمية، ينبغي أن يعمل النظام التعليمي علي مساعدة الشباب علي اكتساب قيم صحيحة وتطوير شخصية قوية وطموحة قادرة علي مواجهة تحديات المستقبل ولديها الرغبة الصادقة لبناء البلد.

يجب أن يكون النظام التعليمي الجديد في موريتانيا قادرا علي تنمية حس عميق لدي الطلبة بالانتماء والالتزام ، وان تجعل الطالب يتحلى بدرجة جيدة من الوعي الذاتي وان تكون لديه بوصلة أخلاقية سليمة، ويتمتع بالمهارات والمعارف اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل، وان يكون قادرا علي تحمل مسئولية أسرته ومجتمعه ووطنه، ويقدر جمال العالم من حوله، وأن يمتلك عقلا وجسدا سليمين، ويشب علي حب الحياة، وأن يكون واثقا من نفسه، ويمتلك حسا قويا للتمييز بين الخطأ والصواب، ويتحلى بالمرونة والقدرة علي التكيف، وصاحب تفكير مستقل ونقدي، ويتواصل بفعالية مع الآخرين، موجه ذاتيا وينهض بمسئولية عملية تعلمه، ويطرح الأسئلة باستمرار ويتفكر مليا، ويثابر في السعي إلي التعلم. مساهم نشط وقادر علي العمل بفعالية ضمن الفريق، يأخذ زمام المبادرة، ولا يتهيب المغامرة المدرسية، يتحلى بروح الابتكار ويسعى جاهدا لتحقيق التميز.مواطن معني بمصلحة وطنه موريتانيا ومتجذر بأرضه، ويملك وعيا مدنيا قويا، وهو علي إطلاع بما يجري من حوله، ويقوم بدور فعال في تحسين حياة الآخرين من حوله. 

هذه الأهداف تتلخص عادة في التالي: 

• رفع معايير التحصيل العلمي.

• تعزيز الاتجاه الرامي إلي اكتساب معرفة وثقافة واسعتي النطاق، وطلب الحقيقة، وغرس حس عال وإحساس مرهف بالأخلاق جنبا إلي جنب مع تطوير جسد سليم.

• تطوير قدرات الأفراد واحترام قيمهم في آن معا، ورعاية ملكة الإبداع لديهم، وتنمية روح الاستقلالية والاستقلال الذاتي، وتعزيز اتجاه تقدير قيمة العمل مع التأكيد علي أهمية الروابط بالحياة المهنية والعملية.

• بناء موقف ايجابي تجاه تقدير قيمة العدالة والمسؤولية والمساواة والتعاون والاحترام المتبادل والمساهمة الفاعلة مع الآخرين في بناء المجتمع وتطويره. 

• بناء موقف ايجابي تجاه احترام الحياة ورعاية الطبيعة والمساهمة في حماية البيئة.

• بناء موقف سلوكي تجاه احترام العادات والتقاليد والثقافة المحلية وحب الوطن والمنطقة، إلي جانب احترام بلدان العالم الأخرى والرغبة في المساهمة في تحقيق السلام العالمي وتنمية المجتمع الدولي.

• أن يعمل التعليم علي جعل الطلبة يدركون أدوارهم المهمة في مسئولياتهم في الأسرة والمجتمع.

• الاهتمام برفاهية والعيش الكريم للطلبة والتلاميذ.

• فهم الطلبة لهويتهم الوطنية، والالتزام بالمساهمة في بناء المجتمع والأمة.

• تطوير عادة القراءة بصورة مستقلة.

• مساعدة أفراد المجتمع جميعا علي الارتقاء بشخصياتهم المستقلة والوصول إلي حد الكمال.

• تطوير القدرة علي تحقيق حياة مستقلة.

• اكتساب مؤهلات المواطنين الديمقراطيين والتحلي بالقدرة علي المشاركة في بناء دولة ديمقراطية.

• تعزيز الرخاء والوصول إلي دولة الرفاه.

• توطيد أركان الدولة المدنية بجميع مؤسساتها عبر مفهوم دولة المواطنة وعلوية القانون.

• تحسين فعالية الإدارة وكفاءتها 

تحرص الدول ذات الجودة التعليمية أن تضمن هذه الأهداف في منهاجها الوطني، وبعض منها يسهب في شرح تفاصيل هذه الأهداف كمرتكزات ومستهدفات في آن معا.

علي راسمي السياسات التعليمية في موريتانيا أن يدركوا حجم التحديات التي تواجه النظام التعليمي في موريتانيا، فليس من السهل تحويل نظام تعليمي غير مصنف، لا يرقي في أبسط مفرداته إلي النظم التعليمية التقليدية في العالم الثالث، إلي نظام تربوي وتعليمي حديث يتسم بجودة شاملة، فالإرادة السياسية علي أهميتها وحدها لا تكفي ، لأن الموضوع ببساطة متناهية يتوقف علي شمولية مشروع مجتمع يطال كافة البني المجتمعية.  

الطريقة التقليدية التي تري أن عناصر العملية التعليمية تنحصر في أربعة هي المنهاج والمعلم والتلميذ والمدرسة، لم تعد ملائمة، مع التغييرات المتسارعة لعالم متلاحق الأنفاس، ويسير بخطي واعدة نحو المستقل بثقة،  وتري مقاييس الجودة الشاملة للتعليم أن عناصر النظام التعليمي تتكون من 17 عنصرا، ينبغي وضع الخطط المناسبة وفق الإمكانيات المتاحة وطبيعة البيئة المحلية، هي :

1. المنهاج.

2. المعلم (المدرس).

3. التلميذ(الطالب).

4. المدرسة.

5. المسارات التعليمية.

6. الوزارة

7. التحول من التعليم إلي التعلم.

8. تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.

9. التمويل.

10. التعليم المستقل( التعليم الخاص).

11. الاختبارات والقياس والتقييم.

12. مشاركة أولياء الأمور 

13. تعليم الراشدين.

14. التعلم مدي الحياة.

15. التسرب المدرسي.

16. الوعاء الزمني.

17. المدارس ذات الأداء المنفض.

أولا : المنهاج

أحد أسرار جودة النظم التعليمية الحديثة ، هو طبيعة المنهاج الدراسي، الذي لم يعد كتاب مدرسي موحد مفروض علي جميع المدارس في كامل البلد، يلزم التقيد الحرفي بمحتوياته التي لا ينبغي الخروج عنها، بل أضحي المنهاج الوطني في الدول ذات النظم التعليمية رفيعة المستوي، مجرد مرجع وليس جدول صريح للدروس، وأول ما يلفت الانتباه في تلك المناهج أنها تبدأ بتحديد واضح للأهداف العامة التي تتوخاها البلد في آماد زمنية محددة بدقة، مع شرح لآليات الوصول إلي تلك الأهداف وكيفية تحقيق تلك المخرجات المستهدفة، فتحديد قوائم بأهداف النظام التعليمي في البلد أمر في غاية الأهمية، لأنه المدخل  الذي علي ضوئه تتحدد الآليات والسبل لتحقيق المخرجات المستهدفة، فضلا علي أن المنهاج الحديث يستعرض كيف يجب علي المدرسين التركيز علي تطوير مهارات الإبداع والإدارة والابتكار  والعمل الجماعي لدي الطلبة، مع التزام المدرسين بهذه الأهداف واختيارهم لمواد التدريس وخطط الدروس الخاصة بهم، بالإضافة إلي أن قواعد التقييم والتقويم موجودة بالمنهاج بشكل تفصيلي. منهاج طموح يضمن نظاما للابتكار الدائم.

طرق التخطيط التقليدي تختزل المنهاج في الكتاب المدرسي، في حين أن أساليب التخطيط الاستراتيجي المتبعة في الدول ذات النظم التعليمية الرفيعة المستوي، توسع من مجالات وآفاق المنهاج بحيث يغدو الكتاب المدرسي جزء يسير من المنهاج ليس إلا! وذلك من خلال توسيع قاعدة الاختيار وعدم الاكتفاء بالكتاب الوحيد، بل تتعدد الكتب التي توسع من قاعدة الاختيار وتترك الحرية للمدرس والمعلم أن يختارا الكتب والمصادر التي يفضلاها ضمن القائمة المحددة في المنهاج الذي يعرف بالمواد الأساسية، ويحدد الأطر التي يسير وفقها المنهاج ويحدد الوقت المخصص لكل موضوع علي نحو واضح.

جميع المناهج الحديثة تركز علي مواد أساسية أربعة هي حسب الترتيب الوارد أدناه :

1. اللغة الأم : إتقان وإجادة اللغة الأم هو المدخل الصحيح لأي إبداع وابتكار حقيقي، فضلا علي أن الدراسات أثبتت أن لا يمكن تحقيق نتائج ايجابية في بقية المعارف والمواد دون إجادة تامة للغة الأم، من هنا ينبغي التركيز في موريتانيا علي صياغة كتب مدرسية رفيعة المستوي تؤدي إلي إجادة الطالب الموريتاني بشكل رفيع للغة العربية كتابة وقراءة قبل أن يغادر المرحلة الابتدائية وأن يتعمق في معارفها في المرحلة المتوسطة( الإعدادية والثانوية) حد أن يكون قادر علي الحديث والتعبير بالفصحى عن أفكاره بطلاقة وتسلسل، هذا الأمر في غاية الأهمية، لأن جميع  تجارب النظم التربوية والتعليمية الرفيعة المستوي، أثبتت أن إجادة اللغة الأم مدخل ضروري ومهم للاستيعاب الدقيق والفعال لبقية العلوم والمعارف. و يستحيل الإبداع أو استلهام بقية المعارف دون إتقان وإجادة اللغة الأم. جميع مؤشرات ومقاييس الأداء العالمية التي تحدد جودة النظم التعليمية في بلدان العالم، تخضع ملايين التلاميذ والطلبة سنويا لقياسات واختبارات في اللغة الأم، فلا يوجد مقياس أو معيار دولي للاختبار أو قياس التلاميذ والطلبة في اللغات الأجنبية، فالتلميذ الياباني يمتحن وتقاس مهارته اللغوية من خلال اللغة اليايانية، والصيني بالصينية، والفلندي بالفلندية، والفرنسي بالفرنسية والبريطاني بالانجليزية والروسي بالروسية، الكوري بالكورية وهكذا دواليك.

في موريتانيا اللغات الوطنية هي العربية والسونكية والبولارية والولفية، فالصحيح والسليم أن يتم التدريس بهذه اللغات الوطنية، وأي محاولة لجعل الفرنسية أو الانجليزية لغة تدريس، شطط وخبال يجافي نواميس الفطرة السوية، أثبتت التجارب والدراسات أن أحد أهم أسباب  تخلف النظم التعليمية في منطقة الساحل ووسط إفريقيا وغربها ودول المغرب العربي هو اتخاذهم اللغة الفرنسية لغة تدريس.

لكيلا يقع الخلط بين لغة التدريس( أي اللغة الأم) وبين تعلم اللغات الحية، أؤكد أن جميع النظم التعليمية الرفيعة المستوي تحرص علي تضمين اللغات الأجنبية( لا سيما الانجليزية والألمانية والاسبانية) ضمن موادها الدراسية، كمواد ثانوية( في الغالب مواد اختيارية) لكن هذه الدول لا تحل اللغات الأجنبية مكان لغتها الأم مهما كانت صعوبة اللغة الأم. كما هو موضح في النقطة الرابعة أدناه.

أضحي قناعة لدي التربويين وخبراء التعليم أن التبكير في تعليم الأطفال لغات أجنبية علي حساب اللغة الأم، يحد من ذكائهم في المراحل اللاحقة !

(هنا أستغرب من هذا الهوس المرضي باللغة الفرنسية لدي الموريتانيين)

2. الرياضيات : وجد أن الرياضيات هي المدخل للتقدم العلمي في معظم المجالات العلمية، ولا سيما في علوم الحاسوب والتقنيات والتكنولوجيا، بمعني أن أي نظام تعليمي يروم ويتطلع إلي نهضة صناعية وتكنولوجية وتقنية، ينبغي أن يركز علي الرياضيات في المنهاج وأن يجعلها أولوية بعد إجادة اللغة الأم.

3. العلوم الطبيعية : تأتي في المرتبة الثالثة من الأهمية بعد اللغة الأم والرياضيات.

4. اللغات الأجنبية : أضحت اللغات الأجنبية ضرورية علمية للبقاء علي تماس مع المنجز العلمي  في العالم، والوقوف علي آخر المستجدات في ميدان التخصص، ومواكبة حركة النشر العلمي والأبحاث الحديثة، وهنا نري أن يتم توسيع قاعدة الاختيار في دراسة اللغات الأجنبية وأن تشمل الانجليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والاسبانية والصينية واليابانية والهوسا والروسية، علي أن تكون اللغة الانجليزية مادة أساسية، والبقية اختيارية، وان يحدد عدد اللغات الاختيارية حسب المرحلة التعليمية.

هنا نري أن تكون المواد الأساسية في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي هي : التربية الإسلامية – اللغة العربية (والسونكية والبولارية والولفية) – الرياضيات – العلوم الطبيعية –اللغة الانجليزية. وأن تكون مادة الأخلاق مادة أساسية طيلة المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

أما بقية المواد مثل التاريخ والجغرافيا والأدب والفنون(المسرح، الرسم، التمثيل، النحت، الموسيقي) علم النفس والاقتصاد والتسويق والإحصاء وعلوم الحاسوب، والبيئة والعلوم الاجتماعية والعلوم الرياضية وغيرها  فتكون مواد اختيارية حسب المرحلة.

يتم تقييم المنهاج كل سنة من قبل المعلمين ولجان الإشراف علي المدارس ومديرو المدارس وخبراء اللجان الوزارية المعنية ، وتقدم مراجعة شاملة للمنهاج كل خمس سنوات، ويتم تغييره وتحديثه كلية كل 10 سنوات.

لا ينبغي جلب خبراء أجانب لوضع منهاج دراسي وطني في موريتانيا، بل العكس هو الصحيح ، حيث ينبغي علي الدولة الموريتانية أن تختار ما لا يقل عن 200 شخص من أصحاب الخبرة في المجالات التربوية من حملة الشهادات العليا، وأصحاب الكفاءات والمشهود لهم في حقل التربية والتعليم( ولا يشترط في هذه الفئة الأخيرة أن تكون من حملة الشهادات العليا). وتقوم الدولة بضع قواعد صارمة لاختيار 200 شخص، وأن تتجنب المحاباة والواسطة أو أي من الطرق المتعارف عليها لاختيار اللجان في موريتانيا. وأن يتم الاختيار من مناطق مختلفة من موريتانيا، شرط تحقق الصفات وشروط الاختيار، وفي حالة كان العدد أكثر من 200، تتم المفاضلة بينهم وفق قواعد صرامة( ذات طبيعة فنية فصلتها في ملحق إجرائي).

ويتم تقسيم المائتين إلي عشر مجموعات، كل مجموعة تضم 20 شخص، ويتم إرسال كل مجموعة  إلي دولة معينة من الدول العشر التالية (قائمة المجموعة الذهبية لأفضل 10 نظم تعليمية في العالم)، لتلقي دورة مكثفة حول آلية وضع المنهاج في هذه الدولة، مدة الدورة تتراوح بين 4 – 6 اشهر. الدول هي : كوريا الجنوبية – سنغافورة – هونغ كونغ – اليابان –تايوان - فنلندا  - استونيا – سويسرا – كندا – هولندا.

أنبه أن هؤلاء المبتعثين لتلقي دورة في هذه الدول تنحصر مهمتهم في آلية وكيفية وضع المنهاج، وليس نقل أو استنساخ مناهج تلك الدول. أي أنهم سيتعلمون الآليات وروح المنهاج وليس محتواه.

ثانيا : المعلم (المدرس)

يجمع العلماء وخبراء التربية حول العالم علي أن المعلم من أهم عوامل جودة مخرجات العملية التعليمية، وقد أصدرت منظمات معروفها كاليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقارير تؤكد أهمية المعلمين الجيدين للتعليم عالي الجودة. 

خطة تحديث نظام التعليم في موريتانيا، عليها أن تركز علي جعل مهنة التدريس من المهن الراقية في المجتمع، ، وأن يحظى ممتهنها بالمكانة الاجتماعية الرفيعة، وأن يكون العائد المادي لممارسة هذه المهنة مجزي ، ولتحقيق هذا ولكي يكون المعلم والمدرس الموريتاني علي درجة عالية من الأداء والكفاءة، يجب إعداده وتدريبه بشكل كفؤ وفعال وشاق، وأن يكون راتبه هو الأعلى في البلد، وأن يتعرض لمران وتقييم مستمرين وأن يحظى بثقة الناس والمجتمع عبر تضافر الجهود الجماعية لتحقيق أهداف المجتمع في تحويل موريتانيا من دولة متخلفة إلي دولة متطورة عبر تطوير نظامها التعليمي. وأن يكون ممتهني مهنة التدريس صفوة مخرجات العملية التعليمية في كافة مراحلها.

1. الإعداد: يجب إنشاء كلية تربوية خاصة تسمي كلية إعداد المعلمين وفق أحدث النظم التربوية التي اعتمدتها دور الصدارة في النظم التعليمية في العالم، وأن يتم اختيار صفوة الطلبة( أوائل الدفعات في الثانوية العامة والمعاهد المتوسطة العامة والمهنية)، وأن يخضعوا لامتحان قبول شاق ونوعي لدخول كلية إعداد المعلمين. وان توضع معايير عالية جدا يشترط الوفاء بها لمن يريد الالتحاق بكلية إعداد المعلمين. وأن تكون هذه الكلية من مرحلتين، مرحلة الليسانس مدتها أربع سنوات، السنتين الأخيرتين يقوم الطالب بالتدريس في مدرسة تابعة للكلية تحت إشراف خبير تربوي ، تخول الليسانس المعلم التدريس في المرحلة التأسيسية و الابتدائية، والمرحلة الثانية ثلاث سنوات تمنح شهادة الماجستير، ويدرس الطالب مواد تربوية إلي جانب تخصصه في المادة التي سيدرسها،تعقبها سنة تدريب إجباري في مدرسة إعدادية أو ثانوية تابعة للكلية. درجة الماجستير تخول المدرس التدريس في مرحلتي الإعدادية والثانوية. ويمارس الطلبة تدريباتهم الغزيرة والمكثفة فيما يسمي مدارس التدريب التابعة لكلية إعداد المعلمين تحت إشراف مختصين. 

ونقترح إنشاء ثلاث كليات إعداد المعلمين في موريتانيا في مدن نواكشوط وكيهيدي وكيفة. 

إنني هنا لا أتكلم عن تطوير مدرسة تكوين المعلمين الحالية، بل أتحدث عن كليات مغايرة تماما، تجدونها مفصلة في البرامج.

2. التدريب: ينبغي أن يخضع المعلم سواء الذي يدرس في المرحلة التأسيسية أو الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية إلي تدريب مستمر تحت إشراف خبراء متخصصين في المجال، وألا يقل معدل التدريب المستمر عن 45 ساعة تدريب في العام.

3. الراتب : يبلغ متوسط الراتب السنوي للمعلم في دول الصدارة، حوالي 52 ألف دولار ( أي ما يعادل 4333 دولار في الشهر)، وهذا ما جعل حقل التدريس مرغوب ومحبوب من قبل الطلبة في تلك الدول، رغم معرفة أن التخرج من كلية إعداد المعلمين شاق وصعب، وراتب المعلم والمدرس في تلك يفوق راتب المهندس والطبيب بها. لذا نقترح أن يكون الراتب الشهري للمعلم والمدرس في موريتانيا علي النحو التالي :

• المعلم في المرحلة التأسيسية والابتدائية = يبدأ بــــــ250 ألف أوقية قديمة.

• المدرس بالمرحلتين الإعدادية والثانوية=  يبدأ بــــــ350 ألف أوقية قديمة.

4. التقييم المستمر: يجب أن يخضع المعلم والمدرس إلي سلسلة مستمرة من التقييمات الدورية، تبدأها إدارة المدرسة ويشارك فيها أولياء الأمور والطلبة، ولجان الإشراف والمتابعة من الوزارة، وان يلزم كل مدرس ومعلم بإجراء امتحان تجديد الشهادة الجامعية كل خمس سنوات، حتى يظل المعلم والمدرس، مواكب للعملية التربوية، ولكي يحافظ علي أداء مرتفع بشكل مستمر.

5. الثقة بالمعلم: وجد أنه لا يكفي الإعداد الجيد والتدريب والتقييم المستمرين للمعلم والمدرس، لكي يحافظا علي أداء مرتفع، ويحققا النتائج المرجوة منهما، ضمن حزمة المستهدفات، بل ينبغي أن يحظى كل من المعلم والمدرس بثقة الناس وأولياء الأمور والقيمين علي العملية التعليمية والتربية، فهذه الثقة المتولدة عن صرامة الإعداد والتشديد وحسن الاختيار، وفق المعايير الموضوعة ضمن خطة التطوير الشاملة، هي الحافز الأكبر للمعلم والمدرس لبذل قصارى الجهد بغية تحقيق المستهدفات العامة التي يريد المجتمع تحقيقها. وعادة يكسب المعلمون ثقة أولياء الأمور والمجتمع عبر إثبات قدرتهم علي حسن التصرف وإصدار الأحكام بطريقة مهنية تمكنهم من إدارة صفوفهم، وتستجيب لتحدي مساعدة الأطفال كلهم عمليا علي جعلهم متعلمين ناجحين. وأن يتحلوا بأخلاق رفيعة. 

6. التفرغ للبحث العلمي : ينبغي ألا تزيد حصص المعلم والمدرس عن 4 ساعات يوميا، وأن يقضي المعلم بقية الدوام في البحث والدراسة، والتطوير وإعداد وتصميم منهج مادته وفق المستهدفات واسترشاد بالمنهاج الوطني الذي يضعه خبراء التربية والتعليم في الوزارة المعنية. وان يتمتع المعلم بقدر كبير من الاستقلالية في مقاربة المنهاج الوطني.  

المعلم يقوم بدور جوهري في بناء المستقبل، لذا ينبغي أن يكون للمعلمين المعدين إعدادا جيدا،حرية اختيار طرائق التدريس والمواد التعليمية كما يشاءون.

بما أن المعلم المعد إعدادا جيدا وفق المذكور أعلاه، يتمتع باستقلال داخل الصف لاختيار الأساليب التربوية المناسبة، ينبغي أن يكون علي استعداد لتحديث مهاراته المهنية بصورة مستمرة عبر البحث العلمي وإكمال الدراسات العليا.

المناخ العام الذي سينتج عن الصرامة والتشدد في إعداد المعلمين، سيولد لديهم رغبة اكبر في العمل علي تطوير ذواتهم والانفتاح علي الأفكار الجديدة هذا إلي جانب سعة الأفق والمدارك، وستجعلهم يحرصون علي المشاركة في عمليات تطوير المدارس، سواء في المدرسة حيث يعملون أو عبر المشروعات الوطنية والدولية.  

ثالثا: التلميذ(الطالب).

التلميذ (الطالب) هو هدف وغاية أي تنمية بشرية يراد منها نقل المجتمع نقلة نوعية من حالة التخلف والتردي إلي أعلي المخرجات ذات الجودة العالية، لذا يجب تصميم النظام التعليمي والتربوي الموريتاني ليس بهدف تطوير القدرات المعرفية للتلاميذ والطلبة فحسب، بل لغرس قيم المجتمع المتمثلة في السلوك الأخلاقي الحسن والتقدم المبني علي أساس الجدارة وتماسك النسيج الاجتماعي، بحيث يتربى التلميذ والطالب بسبل شتي وفق المخطط علي احترام معلميه ومدرسيه  والأشخاص الأكبر سنا، وأن يتعلم الصواب، والالتزام بالترتيب وحسن التنظيم، ويجب أن يتمحور النظام التربوي الموريتاني علي بذل الجهد علي مكافأة العمل الجاد وتشجيع المثابرة والثناء علي الطلاب من عشاق التحدي، وتشجيع التلميذ والطالب علي خدمة مدرسته وزملائه من الطلبة وتحمل مسئولية مساعدة الآخرين، ومكافأة التواضع والثناء علي العمل الصالح الذي يقوم به الآخرون.

هذا تماما ما فعلته الدول ذات الجودة الاستثنائية في مجال التعليم مثل كوريا الجنوبية واليابان وهونغ كونع وسنغافورة وفنلندا وماليزيا وغيرها من دول الصدارة، حيث الأخلاق مقدمة علي التحصيل المعرفي، وأثبتت تجارب تلك الدول أن التلميذ الخلوق، قلما يتدنى أداءه، والعكس صحيح،ولكم أن تتخيلوا التأثير الايجابي للنظام التربوي ومقدار تأثير هذا النمط من الاهتمام بسلوك الفرد علي جوانب متنوعة من الحياة الاجتماعية، من أخلاقيات العمل إلي الرعاية الصحية، ومن البيئة المستدامة إلي الجريمة، ولعل الجدير بالاهتمام هو التفكير مليا فيما يحدث لبلد  يتجاهل هذا الجانب في تربية أبنائه.

يجب التركيز علي مشاركة التلاميذ والطلبة في العملية التعليمية، عوض نشر المحتوي فقط، بطريقة إلقاء المحاضرات، لذا ينبغي تشجيع الطلاب علي الانخراط بدور فاعل في تصميم مناشط تعلمهم الخاصة، بمعني أن يكون التلميذ والطالب جزء فاعل ومشارك في العملية التعليمية وليس مجرد وعاء يتلقى المعلومة دون مشاركة. وان يتم زرع مفهوم التقييم الذاتي للطالب.

التلاميذ والطلاب يتعاونون معا في مجموعات للعمل علي المشروعات المتنوعة والتركيز علي المشروعات التي تتقاطع مع المواد الدراسية التقليدية ومع الخطوط التأديبية. ويفترض وفق المنهاج الوطني الموريتاني وحسب آليات التدريس وطرائق التقييم والإشراف والمتابعة( التي سيأتي شرحها لاحقا) أن يكون الطالب الموريتاني  قادرا علي تحمل مسئولية عملية التعلم الخاصة به مع التحاقه بالمدرسة الثانوية( الصفوف  10 – 12)، بحيث يتمكن الطالب من تصميم برامجه الفردية الخاصة، ويتقدم الطالب ضمن هيكل الوحدات، ويبني كل طالب لنفسه خطة دراسية خاصة تتألف من مواد دراسية مختلفة في موضوعات متنوعة تتوافق مع خياراته، وأن تكون الخيارات متعددة وشاملة لكافة مفردات المنهاج الوطني بحيث تتسع دائرة الاختيار أمام الطالب. كل ذلك وفق مبدأ التعلم من خلال العمل، والعمل الجماعي والإبداع ومهارات حل المشاكل.

اعتبارا من المرحلة الابتدائية وما بعدها يتوقع من الطلبة أن يعملوا علي نحو متعاون في المشروعات المتعددة المجالات، وأن يسهم الطلبة في تخطيط مشروعاتهم.

عادة يكسب التلميذ (الطالب) 30% فقط من معلوماته من خلال التعليم الرسمي في المدرسة، ويتم تحصيل الباقي عبر إجراءات إضافية مكملة ، كالمكتبات المدرسية والرحلات العلمية أو الترفيهية وعبر مشروعات العمل المشترك ضمن فرق عمل جماعي.

رابعا : المدرسة

من أساسيات جودة التعليم في النظم ذات الأداء التعليمي المرتفع ، طبيعة المدرسة وشكلها التنظيمي، ورغم التفاوت والاختلاف بين مستهدفات ومخرجات العملية التعليمية في كل بلد من دول الصدارة، إلا أن المدارس في هذه الدول تتقاطع في أربع صفات رئيسة، تشكل قواسم مشتركة لجودة المعايير هي: الاستقلالية – الأجواء العائلية – الإدارة – التمويل. 

وتمتاز مدارس تلك الدول ببساطة التصميم، فلا بذخ أو بهرجة أو تصميمات هندسة أخاذة كما هو الحال في مدارس الولايات المتحدة واستراليا ودول الخليج العربي وألمانيا وروسيا الاتحادية. 

1. الاستقلالية : لا يتعدى دور وزارة التربية والتعليم الإشراف العام، والتوجيه ومتابعة تنفيذ السياسات التعليمية، ووضع المنهاج الوطني الذي لا يتعدى كونه خطوط عريضة تحدد المعايير والمقاييس، ودليل إرشادي ليس إلا، وتتمتع كل مدرسة في جميع المراحل( من المرحلة التأسيسية التي تبدأ بالحضانة ورياض الأطفال حتى التعليم العالي) باستقلالية تامة، في تحديد المنهاج الخاص بها بالاسترشاد وعلي ضوء الخارطة العامة التي وضعتها الوزارة، وتحدد كل مدرسة جدول أعمال بكافة الأنشطة الخاصة بها وفق المستهدفات والمتطلبات الخاصة بها، حسب حجم التمويل الذي تحصل عليه المدرسة، كما أن كل مدرسة تحدد طريقة التدريس الملائمة لطلابها، حسب الآلية التي سيتم توضيحها لاحقا.

2. الأجواء العائلية : نظرا إلي مشاركة أولياء الأمور في إدارة المدارس، والمجتمع المحلي، يتم خلق أجواء حميمية داخل المدرسة، حيث يقوم الأستاذ المشرف بمتابعة نفس التلاميذ طيلة المرحلة الابتدائية، مما يجعله علي معرفة لصيقة بالتلاميذ، وأقدر من غيره علي تتبع تطورهم عبر المسارات المختلفة، والوقوف علي حجم إمكانياتهم وقدراتهم الكامنة، ويقوم المعلمون بالتواصل المستمر  مع أولياء الأمور لمناقشة تفاصيل ودقائق ومفردات العملية التعليمية، لتحديد أفضل السبل للتدريس، لضمان المشاركة الفعالة للتلاميذ والطلبة في الأنشطة الجماعية وزرع روح الفريق لديهم في فترة مبكرة. علي سبيل المثال : لو قام الطالب بمخالفة القانون خارج أسوار المدرسة، تقوم سلطات إنفاذ القانون بدعوة المعلم الاستشاري(المسئول عن الطالب)،وأعضاء هيئة التدريس بالمدرسة، للاعتذار عن سلوك الطالب، مثل هذا الإجراء أثبت فعاليته في العديد من الدول، لأنه ينمي لدي الطالب شعور قوي بالالتزام تجاه أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة، ويجعله يبذل قصارى جهده لتحقيق أداء جيد من الناحية الأكاديمية مع الالتزام بالقانون خارج المدرسة. تنطبق الفكرة ذاتها علي علاقة كل طالب بالطلبة الآخرين بالمدرسة. فالفشل معناه خذلان المجموعة لذا سيكافح أعضاء مثل هذا المجتمع لبذل ما بوسعهم، والسعي علي الدوام لتحقيق أهداف أسمي، لأن ذلك السبيل لكسب تقبل المجموعة والارتقاء بالذات، وتسود ذات القيم لاحقا في مجلات العمل، من هنا فإن مثل هذا الإجراء يعزز من خطوات تنشئة المواطن الصالح.  

3. الإدارة : يعين مدير المدرسة من قبل المجلس البلدي للحي أو القرية أو البلدة لمدة ست سنوات، بعد أن يتم ترشيحه وفق معايير التقييم والتصنيف المدرسي لمسيرته التربوية، ويقوم المدير بإدارة المدرسة بالتعاون مع المعلمون، ويتكون الطاقم الإداري للمدرسة من ثلاث أشخاص فقط هم المدير وممرضة وبواب المدرسة، يتم تعيينهم من قبل المجلس البلدي. ويعتبر مدير المدرسة مسئولا داخل مدرسته عن متابعة شؤونها وإدارتها يوميا، كما ينهض بجزء من عملية تقويم أداء موظفيها. المديرون مسئولون عن تسيير أمور المعلمين(المدرسين) في المدرسة وضمان راحة الطلبة ونجاحهم والإشراف علي ميزانية المدرسة، كل ذلك بالتعاون مع المعلمين(المدرسين).

تدار المدرسة  علي المستوي المحلي من قبل مجلس أمناء المدرسة، والمكون من : مدير المدرسة وممثل عن الكادر الوظيفي للمدرسة(معلم أو مدرس) ممثل منتخب عن أولياء الأمور وعضو المجتمع المحلي، ويضطلع مجلس أمناء المدرسة بمسئولية اتخاذ القرارات المتعلقة بالتوظيف وغيرها. وفي المرحلة الثانوية يجب أن يضم مجلس أمناء المدرسة ممثلا عن الطلبة. ويعمل مجلس أمناء المدرسة علي تطوير الميثاق الخاص بالمدرسة، الذي يوافق عليه عضو التعليم بالمجلس المحلي، الذي يقوم بدوره برقعه إلي الوزارة ليوافق عليه وزير التربية والتعليم. ويتضمن الميثاق أهداف المدرسة وغاياتها ويحدد سياسات التقييم المتبعة، ويبين آليات التزام المدرسة بالمبادئ والتوجيهات التربوية والتعليمية الوطنية.

المعلمون والمدرسون، يتم تعيينهم من قبل الوزارة وفق إضبارة التقييم الشخصي لمسيرة وأداء المعلم/المدرس، وفق معايير صارمة لا تهاون فيها.

4. التمويل : تقوم الوزارة بتمويل 50% من ميزانية كل مدرسة حسب درجة تصنيفها وفق معايير التقييمات الصارمة  للمدارس، وحسب عدد الفصول والطلبة بها، وحجم الأنشطة، وتقوم المجالس البلدية بتمويل 40% من ميزانية كل مدرسة في نطاقها البلدي، والباقي 10% يتم تحصيله من الشركات العاملة في النطاق الجغرافي للمدرسة. 

لا تقدم المدرسة التعليم فقط، بل إنها تقدم موارد وخدمات أخري متعددة لطلابها منها:

• وجبة غداء : طالما أن الدوام المدرسي هو دوام اليوم التام ( 08:00 صباحا إلي غاية 06:00 مساءً).

• إرشاد نفسي.

• خدمات صحية.

• معالجة طبية للأسنان.

وتوفر المدرسة للطلبة وعائلاتهم خدمات التوجيه والاستشارة النفسية والوصول إلي طيف عريض من خدمات الصحة النفسية وغيرها من الخدمات.

نظام أقل مركزية وأكثر استقلالية بالنسبة للمدارس، يجعل من التقييم والتصنيف منصف جراء تحمل مسؤولية كاملة عن أداء الطلبة والمعلمين.المدارس هي المسئولة عن وضع خطط الدروس يوم بيوم، والحرص علي القواعد العامة التي وضعتها الدولة، وتحقيق الأهداف المرجوة.عملية الإصلاح متروكة لإدارات المدارس، وهذا يدفع المعلمين والمدارس إلي اتخاذ مواقف احترافية والتدريب علي استقلالية اتخاذ مواقف مهنية، والتكيف مع المتغيرات لتتناسب بصورة أمثل مع الطلبة.المعلمون يقومون بتحديد كيفية تدريس المقرر الدراسي وإعداد مخططات الدروس والاتصال بأولياء الأمور. 

هذه الإستراتيجيات ستعمل علي تسويق النظام التعليمي بشكل فعال في موريتانيا، تتجلي أولا في رفع المستوي التعليمي عبر توسيع المؤسسات التعليمية، والارتقاء بالأداء من خلال منح المدارس مزيد من الاستقلالية، التي توفر الكثير من المرونة من حيث تنمية طاقم العاملين والأجور والتمويل والإدارة والمنهاج المدرسي فيما يتوافق مع السياسات التعليمية المحلية.

 أما المظهر الثاني لتطور تسويق النظام التعليمي في موريتانيا يكمن في تشديد المنافسة بين المدارس، إضافة إلي تطوير نوعية التعليم، فإن المنافسة تهدف إلي تزويد أولياء أمور الطلبة بمجال أوسع من الخيارات، وتطوير المساءلة عبر إرغام المدارس علي تحديث برامجها.

هذه الاستراتيجيات تنظر إلي المدارس بوصفها" مراكز للتعلم" بدلا من النظر إليها علي أساس أنها " مراكز للتعليم"

إن وجود نظام مدرسي لا مركزي يتمتع بإدارة ذاتية كهذا، يمنح مديري المدارس والمعلمين الكثير من الاستقلال الذاتي. وذلك يحتاج إلي مزيد من الكفاءات والي التطوير المهني للقيام بالمسؤوليات الملقاة علي عاتقهم، واستخدام أدوات التقويم لتحسين عملية تعلم الطلبة. ويقع علي عاتق المدرسة تقرير كيفية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال ICTضمن برامج التعلم والتعليم الخاصة بها.

المدارس في المناطق التي يكون سكانها ذات أغلبية من السونكي أو البولار أو الوولف، يتم تعلم اللهجات الوطنية الموريتانية لتلاميذ وطلاب تلك الجهات، ضمن برنامج اللغات الوطنية جنبا إلي جنب مع اللغة الرسمية لموريتانيا (اللغة العربية). 

 

ولله الأمر من قبل وبعد،،،

يتبع  بإذن الله تعالي.

د.الحسين الشيخ العلوي 

09 صفر 1442، الموافق 26 سبتمبر 2020 / تونس

elallawy@yahoo.com

خميس, 01/10/2020 - 09:54