هذه خطوات هامة.. ولكن!

التعليمات الصادرة خلال اليومين الاخيرين عن الوزير الأول مطمئنة ، تعزز الأمل في بناء دولة مؤسسات ترفض تقديس الاشخاص ، و تفرض سيادة القانون، و تحترم المواطن و تصون حقوقه . إلا أن الأحكام التي تنتظر تنفيذا على الدولة كثيرة، وربما كان من الافضل اصدار توجيه عام باتباع المسطرة اللازمة بشأن كافة القضايا المطروحة على مستوى جميع القطاعات. ثم إن معالي الوزير الاول اذا قرر معالجة قضية بذاتها مطالب بالاطلاع على حيثياتها قبل التوجيه الرسمي المكتوب و الخاص بشانها . إن طريقة معالجة موضوع الأساتذة الصادرة بحقهم احكام لم تنفيذ ، شابتها نواقص شكلية مخلة. فظهر الموضوع و كأنه حالة فريدة مرتبطة بإرادة شخصية للوزير المسؤول عن قطاع التعليم العالي . و تعاملت الوازرة الأولى معه بتسرع من منظور جماعات الضغط و بفعل قوة التأثير الاعلامي حسبما يبدو. و تم تسريب رسالة مدير ديوان الوزير الاول المخالفة للمألوف شكلا ومضمونا، فور إصدارها. و هو ما أثار التباسا ،غير مقصود بالطبع، يجب الإسراع في رفعه. يجب ان لا ننسى أن مئات الاحكام القضائية لصالح موظفين من القاطعات المختلفة ، معظمهم من المدرسين ، متراكمة منذ عشرات السنين لدى المصالح المختصة في وزارة الوظيفة العمومية . دون ضغوط أوحملات اعلامية تحمل الوزراء المتعاقبين على هذا القطاع مسؤولية شخصية عن الموضوع. و يجب الحذر من الوقوع في فخ الشهادات المزورة او المعادلة تزويرا، أو حتى مجاملة بقياس غير سليم وفقا للمعايير الاكاديمية. هذا فضلا عن شروط الاكتتاب و ضوابط الترقية و التدرج الوظيفي في الأسلاك. و عن مقتضيات النصوص المنظمة لها. كما يجب ان لا نتناسي طبيعة المراحل السابقة و سهولة التلاعب بالملفات و الاجراءات والتاثير على القرارت. ويوجد كذلك على مستوى وزارة المالية عدد كبير من الأحكام القضائية غير المنفذة . فهل تم توجيه رسائل مماثلة الى تلك القطاعات :(الوظيفة العمومية ، المالية....) !؟ و هل تعرض الوزراء الي حملة مكشوفة في طبيعتها ، سخيفه في محتواها.!؟ مثلما هو الحال بالنسبة لوزير التعليم العالي المتشبث بقيم العدل و الامانة عبر اعتماد المعايير في الشؤون الاكاديمية بجوانبها المختلفة و تطبيقها سواسية على الجميع، و إدخالها في منظومة حكامة القطاع.

 

إن من الصواب أن يتم تفعيل المسطرة القضائية بصفة شاملة و التدقيق في الاسس و المسوغات بالنسبة لجميع الحالات. و على السلطات القضائية ان تضع حدا للتقليد الراسخ السيئ و الخطير بالحكم تلقائيا لصالح المتقاضين مع الدولة دون استثناء ،ما لم يتعلق الامر بقضايا سياسية . و عموما فانه من المعلوم ان تنفيذ الاحكام على الدولة مرهون بارادتها . و إرادة الدولة هي هي. و بصفة عامة فإن إرادة الاصلاح الجديدة تحظى بدعم و ثقة المواطن. ولكي تظل مقاصدها وطنية صادقة و نبيلة ينبغي الابتعاد عن الشعبوية و عن الخضوع للمؤثرات و للاغراض الخاصة. فالمواطن الفقير الصابر العاجز الذي لا يجد سبيلا لعلاج ابنه او زوجته ، و الذي يعيش معاناته بصمت ومرارة , لا ينبغي ان تتكرر امام عينيه (ولا أمام أعين ذويه و مواطنيه) حالات تمكن أصحابها عبر حملات اعلامية متعددة الوسائط من الحصول بسرعة و يسر على تسهيلات وامتيازات للتكفل بعلاج ذويهم في الخارج رغم ان ظروفهم المادية أحسن و حالاتهم الصحية أقل حرجا و خطورة . والامر نفسه ينطبق على المنكوبين والمصابين لأسباب مختلفة ، وعلى التجمعات السكانية ذات الخصاصة ، و على الفرص و التسهيلات والامتيازات المتاحة او الممنوحة للطلاب وللموظفين و العاطلين عن العمل وغيرهم . والاستثناءات التي تمليها اعتبارات معينة لا ينبغي ان تصبح قاعدة عامة . إن إشاعة العدل و تحقيق المساواة وبناء دولة القانون تكون أولا و قبل كل شيئ باعتماد و تطبيق معايير واضحة و بطريقة شفافة . ثم بالتصدي لمختلف اساليب الرشوة والوساطة و التحايل و استغلال النفوذ ، ومنها الشحن و الضغط و التضليل الاعلامي.

اثنين, 28/09/2020 - 21:58