حديث في الدفاع عن القضاء

يبدو أنّ المجتمعات تسير عبر تطورها الحديث إلى تضخم الصراعات بين مختلف مكوناتها وأشخاصها الطبيعية والاعتبارية بحيث يمكن أن يتصور أنّ الكلّ فيها يتصارع مع الكلّ تقريبا بشكل يمكن أن يؤدي إلى قضاء المجتمع بذاته على ذاته فمقولة كارل ماركس المتعلقة بالصراع الذي تسبب في نشأة الدولة لا نزال نعيش ما يشهد على صوابها خاصة في مجتمعات العالم الثالث ذلك أنّ الأحزاب والحركات السياسية ذات الأهداف والمشارب المتعددة والمتباينة في مجمعنا الحديث تتصارع على السلطة التي يمكن أن يساء استعمالها بحيث تكون مطية لممارسة الفساد وانتهاك حقوق الإنسان عبر مضايقة من يمارسها للمعارضين له وغيرهم وتتصارع المؤسسات والتجار على الزبناء وتتصارع مع هؤلاء جميعا جمعيات حماية المستهلكينلأمور تتعلق بجودة المنتج وسعره وتجابه نقابات العمال أرباب العمل من أجل الحصول على مكاسب عمالية مجابهة تؤدي بهم في بعض الأحيان إلى الإضراب .... 

إنّ هذه الصراعات المتعددة والمتشعبة والتي يمكن أن تتسم بالحدة في بعض الأحيان دفع البحث عن طريقة بها يتم تلطيفها وحلّها بشكل ينحاز إلى العدالة وصيانة المصلحة العامة ومصالح الأغلبية في الدولة الحديثة إلى إيجاد أداة تتوفر على قدر كبير من الاستقلال والحياد وذلك من ناحية النصوص التي تنظمها والتقاليد والأعراف التي تحكمها والتكوين والامتيازات التي يتمتع بهما من يجسدها من الموظفين لترفع إليها مختلف النزاعات المشار إليها أعلاه قبل استفحالها بشكل يتجسد في المساس الخطير بمصالح الأغلبية التي يمكن أن يؤدي التلاعب بها إلى سعيها إلى قلب الطاولة على الأقلية بشكل يمكن أن يهدد الاستقرار أو ينسفه وهذه الأداة في المجتمعات الحديثة هي السلطة القضائية التي تنتهي عندها الصراعات بأحكام وقرارات تصدر عبر إجراءات معينة تؤمن أمورا متعددة منها الشفافية والمساواة أمام القانون وتعزيز مصداقية الهيئة التي تصدر عنها وبتلك القرارات يتمّ القضاء على الصراع بشكل تصان فيه الحريات الفردية والمصالح العامة وبالتالي يرضى الجميع أو غالبية المجتمع ليتجذر بذلك السلام والاستقرار الذي يعتبر بوتقة التنمية ... لكنّ الوظيفة السابقة لا يمكن أن تقوم بها السلطة القضائية إلا إذا تحققت أمور منها:

- استقلالها ذلك أنّ هذه الوظائف المهمة والخطيرة في آن واحد لا يمكن أن تقوم بها أيّ سلطة مهما كانت إلا إذا كانت مستقلة ( كلمة رئيس محكمة النقض الفرنسية Bertrand Louvel التي تقدم بها بمناسبة الجلسة الأولى لمحكمة النقض بتاريخ: 14 يناير 2016 ) بل إنّه لزرع مزيد من المصداقية في عملها يجب أن يكون استقلالها واضحا وملموسا بشكل لا تخطئه العين بالنسبة للجميع وعلى كلّ المستويات لذلك نصت المادة: 2 من مدونة أخلاقيات القاضي في موريتانيا على أنّه: ( لا يمكن الاستغناء عن استقلالية القضاء لتأدية عدالة حيادية.

يجب على القاضي احترام استقلالية القضاء وتشجيع تطبيق إجراءات وضمانات من شأنها الحفاظ على هذه الاستقلالية وتنميتها )

- إظهار السلطة القضائية لجدارتها بممارستها لوظائفها انطلاقا من قدرتها على القيام بهذه الوظائف والدفاع عن هذه القدرة وهذا ما دفع إلى النص في المادة: 4 من مدونة أخلاقيات القاضي في موريتانيا على أنّه يجب على القاضي أن يدافع عن استقلاله وأن يتصدى لكلّ الضغوط التي قد تؤدي إلى التأثير على قراراته أيّا كان مصدرها

- منح هذه السلطة أي السلطة القضائية من الموارد البشرية والمالية ما يسمح بتحقيق أمور منها:

* ممارسة وظائفها وتكوين أفرادها بشكل مستمر وفعّال على أداء دورها الهام والخطير على أكمل وجه

* جعل أفراد السلطة القضائية في وضع مادي مريح على الأقلّ مقارنة بنظرائهم من الموظفين السامين في القطاعات الأخرى 

ذلك أنّه بتحقّق هذه الأمور بشكل متزامن خاصة الاستقلال والجدارة وانبثاقهما من أمور تتعلق بقدرة القضاء على الدفاع عنهما واقتناع المواطنين ـ لأسباب ملموسة ـ بذلك تسود الطمأنينة داخل المجتمع بقدرته على بسط العدالة والأمن والاستقرار داخله وبتوفير الموارد الكافية تتعزز هذه الثقة وتتم ممارسة الوظائف القضائية بشكل يتسم بالجودة 

وانطلاقا من ذلك ولأنّه لا جدال بشأن ما سبق يجب أن ندرك أفرادا وجماعات ومنظمات مجتمع مدني أنّ إيجاد سلطة قضائية قادرة على لعب دورها كانت ولا تزال مسألة مصيرية وملحة بالنسبة للفرد والمجتمع وبالتالي يجب علينا جميعا الانخراط وبشكل جاد وفعال في السعي إلى إيجاد قضاء قادر على ممارسة وظائفه الأساسية في المجتمع ليس بهدف تحقيق الصالح العام فحسب وإنّما لأنّ أيّا منا يمكن أن يتعرض حقّ من حقوقه الأساسية لاعتداء خطير في أيّ وقت لذلك رأيت في هذه الفترة التي يتعرض فيها القضاء للنقد بشكل مستمر وحاد في بعض الأحيان أن أنبّه إلى بعض ما بذل المجتمع الموريتاني شعبا وسلطة من جهود متعلقة بالقضاء والإشارة إلى الجهود التي يبذل القضاة من أجل الدفاع عن استقلالهم ثمّ بعد ذلك التعرض لخطوات يمكن أن يساهم اعتمادها في خلق قضاء مستقل ونزيه يمكنه أن يكون ذا مصداقية وقادر على صيانة الحريات الفردية

ولأنّ استعراض كلّ الجهود المبذولة في هذا الشأن يتطلب مستوى من الاطلاع على ما يدور في المستويات العليا من السلطة وكذلك قدرا معينا من المعارف فلا يتوقع من شخص مثلي تناولها بشكل جيّد أو مقبول لذا سأعمل فقط على الإشارة إلى بعض الأنشطة التي تقوم بها السلطاتالتنفيذية والتشريعية والمجتمع والقضاة والتي لها علاقة بالقضاة وذلك في مطلب أول بينما أتعرض في مطلب ثان لاستعراض مقترحات يمكن أن يساهم اعتمادها في الرفع من أداء السلطة القضائية خاصة في مجال حماية الحريات الفردية

المطلب الأول: بعض الجهود المبذولة من طرف السلطات والمجتمع والقضاة والمتعلقة بالقضاء

سأتعرض عبر النقاط التالية لبعض ما تقوم به السلطة التنفيذية والبرلمان والأحزاب السياسية والنقابات وبعض المدونين والقضاة وأنديتهم من أنشطة لها علاقة بالقضاء 

الفقرة الأولى:  جهود السلطة التنفيذية

يتجسد تعامل السلطة  التنفيذية مع السلطة القضائية عبر مستويات متعددة تتعلق بوضع مشاريع النصوص الناظمة للقضاء فتفسيرها لها ثمّ تعاملها مع السلطة القضائية مجسدة في القضاة وسأتناول ذلك عبر ضرب أمثلة فقط لأنّ مقالا من هذا النوع لا يتسع إلا لذلك

1ـ من حيث التقنين: في كلّ بلد لم يصل فيه المواطن العادي إلى الإيمان بقيم الديمقراطية والكفاح من أجل تكريسها تكون النصوص القانونية ترجمة لتوجهات السلطة التنفيذية والنافذين في المجتمع ولأن معظم من تعاقبوا على حكم موريتانيا يتنازعهم التأثر بالتراث السياسي الفرنسي المعروف بعدم تحمسه لاستقلال القضاء منذ الثورة وحتى فترة قريبة Dmitri Georges Lavroff le système politique francais Dalloz 1975 p 416 وكذلك سيادة وليّ الأمر الموروثة من الفقه الإسلامي واعتبار السلطة القضائية مجرد هيئة وكيلة عنه له تعيين أفرادها وعزلهم متى شاء نتيجة لكلّ ذلك وربما لغيره كان القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل بالأمر القانوني رقم: 2006/ 016 المتضمن النظام الأساسي للقضاء لا يوفر للقاضي ضمانات الاستقلال انطلاقا من المعايير الدولية لاستقلال القضاء ويتضح ذلك من خلال الأمور التالية:

ـ سماحه لوزير العدل بمنع القاضي من أخذ أجزاء من راتبه و تعليق ممارسته لوظيفته: تنص المادة: 36 من ق ن أ ق على أنّ لوزير العدل منع القاضي من ممارسة وظائفه وأخذ بعض الأجزاء المهمة من راتبه وذلك عندما يصل إلى علم الوزير أنّ القاضي قام بأمور على  درجة معينة من الخطورة وأنّ نسبة قيامه بها مؤكدة ويوافق على المنع كلّ من رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى ذات المحكمة ويشار في هذا الإطار إلى أمور منها:

● أنّ هذا المقتضى سبق للمجلس الدستوري أن نصّ على عدم دستوريته في القرار الصادر عنه تحت رقم: 07/ 93 وأنّ المادة: 87 من الدستور تنص على أنّه لا يمكن إصدار أو تنفيذ أيّ مقتضى أعلن المجلس الدستوري عدم دستوريته هذا بالإضافة إلى أنّ ذات المادة تنص على أنّ قرارات المجلس الدستوري تحوز سلطة الشيء المقضي به وأنّها ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية

● أنّ استقلال رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى ذات المحكمة يمكن أن يكونا مثار تساؤلات انطلاقا من المعايير الدولية لاستقلال القضاء ذلك أنّ الأول منهما يعين بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية لمدّة خمس سنوات طبقا للمادة:14 من ق ت ق ويمكن ألاّ ينهي هذه الفترة في منصبه نظرا لأنّ لرئيس الجمهورية إعفاءه من مهامه قبل انتهاء مأموريته طبقا للمادة:18 من ذات القانون هذا بالإضافة إلى أنّه يكون في الغالب وفي أحسن الأحوال من بين الأطر الشباب مستوري الحال أمّا المدعي العام لدى المحكمة العليا فيعين بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بعد اقتراحه من طرف وزير العدل وذلك تطبيقا لنص المادة: 26 من ق ت ق وهو تابع له انطلاقا ممّا تشي به المادتان: 31 من ق إ ج و 6 من ق ن أ ق وما درج عليه العمل من أعراف قضائية في البلد 

ـ منعه على القضاة تشكيل نقابات:  تنصّ الفقرة الأخيرة من المادة: 14 من ق ن أ ق علىأنّه يمنع على القضاة تشكيل النقابات ويشار إلى أنّ هذا المقتضى يتعارض مع البند رقم: 4 من المادة: 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي له قيمة دستورية في موريتانيا والمواد: 22 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والبند رقم: 1 من المادة: 35 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان ويشار إلى أنّ المادة: 80 من الدستور تنص على أنّ الاتفاقيات الدولية تعلو التشريع

ـ منعه على القاضي الطعن في قرارات المجلس الأعلى للقضاء: نصّت الفقرة الأخيرة من المادة: 45 من ق ن أ ق على تحصين قرارات مختلف تشكيلات المجلس الأعلى للقضاء من أيّ طعن في ويشار إلى أنّ هذه المقتضى مخالف للمبادئ العامة للقانون وللدستور الموريتاني بنصّ قرار المجلس الدستوري رقم: 07/ 93 المشار إليه أعلاه الذي تضمنت إحدى حيثياته المتعلقة بالموضوع أنّه:  ... نظرا إلى أن حرية ممارسة حق الطعن القضائي تشكل في هذه الحالة ضمانا أساسيا لاستقلالية القضاء، وبالتالي ووفقا للمبادئ العامة للقانون، لا يمكن للمشرع النظامي التنكر لحق القضاة في تعقيب قرارات المجلس الأعلى للقضاء التي تعنيهم ،وإلى أنه ينتج عن ذلك أن أحكام المادة 45 من القانون النظامي المعروض على المجلس الدستوري غير مطابقة للمادة 89 من الدستور.  كما أنّها مخالفة للفقرة الثانية من المادة: 2 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والملاحظة رقم: 32 الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المتعلقة بشرح المادة: 14 منه  كما أنّه مخالف للمادتين: 12 و 23 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان ويشار إلى أنّه رغم كل ذلك فإنّ المادة: 45 هذه طبقتها الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا عندما رفضت الطعن شكلا في المرسوم رقم: 100/ 2016 في قرارها رقم: 69/ 2016 الصادر بتاريخ: 11/07/ 2016  في الملف رقم: 18 / 2016 المتعلق بطعن في المرسوم آنف الذكر المتضمن ترقية استثنائية لبعض القضاة غير المؤكدين وغيرهم من القضاة ... و إن كنت على صواب فإنّ تطبيقها لها في هذه القضية عائد لأسباب أظنها تتعلق بعدم جودة التكوين أو ضعف الاستقلال ....

2ـ من حيث تفسير النصوص: رغم أنّ التمعن في مضمون المادتين:4 و8 من ق ن أ س ق يمكن أن يشي بأنّه لا يمكن عزل أو تحويل أيّ قاض جالس إلا بطلب منه أو نتيجة لعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة وبعد رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء ونتيجة لأنّ المادة:4 نصت على أنّ المجلس الأعلى للقضاء هو من يقترح التحويلات وأنّ المادة: 8 لم تحدد من له اقتراحها فإنّ وزير العدل الذي يتبع له جميع القضاة إداريا تطبيقا للمادة:6 من ق ن أ ق وانطلاقا من تفسير المادة: 8 آنفة الذكر بشكل يتعارض مع المبادئ العامة للقانون خاصة المتعلق منها بقيم دولة القانون و مفاهيم المحاكمة العادلة  كان ولا يزال وزير العدل هو من يقوم بتحويل القضاة من منصب إلى منصب ومن مكان إلى مكان فهذه النصوص ليست في الحقيقة إلا حبرا على ورق وهذا ما يدل عليه: 

● أن المجلس الأعلى للقضاء ينعقد بدعوة من رئيسه أي رئيس الجمهورية وهو من يحدّد جدول أعماله بناء على اقتراح من وزير العدل تطبيقا للمادة: 49 من ق ن أ ق دون أن يلعب القضاة أيّ دور في هذا المجال ويشار إلى أن تحويلات القضاة تشكل بندا أو موضوعا من جدول أعمال المجلس

● أنّ المجلس الأعلى للقضاء لا يقوم أعضاؤه بالاجتماع عادة لاقتراح التحويلات أو نقاشها بل لا يلتقون في أغلب الأحيان إلا عند انعقاده ممّا يعني أنّ المادة: 4 آنفة الذكر معطلة إلى إشعار آخر وأنّ السائد والمعمول به هو تفسير المادة: 8 تفسيرا يجعل اقتراح تحويل القضاة من اختصاص السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل

● أن تحويلات القضاة في الواقع يعدّها وزير العدل دون مراعاة مقتضيات الماة: 4  المسندة بنص القرار الصادر عن المجلس الدستوري تحت رقم: 07/ 93 المشار إليه آنفا الذي يشي بأنّ أيّ مقتضى يفهم منه أنّ لوزير العدل تحويل القضاة أو اقتراح تحويلهم مخالف للدستور ويشار إلى أنّ المادة: 87 من الدستور تنص على أنّه لا يمكن إصدار أو تنفيذ أيّ مقتضى أعلن المجلس الدستوري عدم دستوريته كما سبقت الإشارة إلى ذلك هذا بالإضافة إلى أنّ هذا السلوك مخالف للمادة: 12 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان التي جاء فيها:  ( ... تضمن الدول الأطراف استقلال القضاء وحماية القضاة من أي تدخل أو ضغوط أو تهديدات ) والمادة: 23 منه التي تنصّ على أنّه: ( تتعهد كل دولة طرف في هذا الميثاق بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المنصوص عليها في هذا الميثاق حتى لو صدر هذا الانتهاك من أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية. ) وكذلك المادة: 26 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي جاء فيها: (يتعين على الدول الأطراف على هذا الميثاق ضمان استقلال المحاكم وإتاحة إنشاء وتحسين المؤسسات الوطنية المختصة التى يعهد إليها بالنهوض وبحماية الحقوق والحريات التى يكفلها هذا الميثاق. ) ويشار إلى أنّ للميثاق الإفريقي قيمة دستورية في البلد

3ـ عدم منح وزارة العدل موارد مالية كافية: دأبت الحكومات الموريتانية المتعاقبة على منح ميزانية متواضعة لوزارة العدل التي يتبع لها القضاة إداريا ومن ذلك أنّها كانت سنة 2016 في حدود 1% من الميزانية وهو ما مثل حسب تقرير رفعه وزير العدل حينها  الأستاذ إبراهيم داداه لمجلس الوزراء في ذات السنة مبلغ: 4.124.409.048 أوقية يخصص منه ما يزيد على ثلاثة مليارات للرواتب وما يبقى عنها يكون في حدود: 800.000.000 أوقية يوجه منه مبلغ: 351.610.000 إلى تسيير السجون بينما يخصص مبلغ: 59.000.000 منه لتسيير مركز Carsec المتعلق بإعادة تأهيل القصر المتنازعين مع القانون بل إن التقرير استغرب أمورا من ضمنها:

● أنّ إدارة مثل إدارة الدراسات والتشريع والتعاون DELC ليست لها أيّ ميزانية

● أنّه تم نقص حصة وزارة العدل من ميزانية 2016 بمبلغ قدرة: 153.000.000 أوقية هذا في الوقت الذي لم تتمكن فيه ميزانية وزارة العدل حتى ذلك التاريخ من الاستجابة لمقتضيات المقرّر المشترك بين وزير العدل ووزير المالية الصادر سنة 2006 والقاضي بأن تكون مخصصات إعاشة كلّ سجين تصل: 500 أوقية قديمة يوميا هذا مع الإشارة إلى أنّ المادة الأولى من المقرر المشترك رقم: 58 الصادر بتاريخ: 07 فبراير 2000 ( عدد الجريدة الرسمية رقم: 974 ) كانت تحدد هذهالنفقة بمبلغ: 120 أوقية هذا ويجب التنبيه هنا إلى أمور خطيرة أخرى يعاني منها القضاء بسبب قلّة الموارد الممنوحة لوزارة العدل منها:

● انعدام الأمن داخل المحاكم فكثيرا ما يتعرض القضاة وأعوانهم للاعتداء داخلها كما أنّ بعضها لا يحرس في الليل فتكسر أبوابه وتسرق منه المحجوزات ويعبث بسجلاته وتكتب عليها في بعض الأحيان عبارات نابية موجهة إلى القضاة 

● أنّ أثاث المحاكم في كثير من الأحيان لا يرسل من طرف وزارة العدل وبالتالي يجب على القاضي أن يأتي للوزارة لحمله على حسابه مهما كانت المسافة 

● أصبحت وزارة العدل عاجزة عن توفير بعض المعدات اللازمة للعمل بما في ذلك الزيّ الرسمي للقضاة في بعض المحاكم كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الاستئناف بألاك خلال سنوات:  2018 و 2019 و 2020 حيث كان القضاة فيها يلبسون أثناء الجلسات الزيّ الرسمي لكتاب الضبط ويرتدون الزي الخاص بالتشكيلات في مجال معين وهم في التشكلة الخاصة بمجال آخر هذا بالإضافة إلى أنّما يتم توفيره من هذه المعدات مثل المقاعد والمكاتب يكون في أغلب الأحيان من النوعية غير الجيدة  وبالتالي يتعطل بعد فترة وجيزة من الاستغلال هذا بالإضافة إلى أنّ ميزانيات تسيير محاكم المقاطعات كانت سنة 2015 في حدود 300000 أوقية قديمة ولا تفي في أغلب الأحيان بمتطلبات تسيير المحكمة

3ـ عدم منح القضاة امتيازات مماثلة لزملائهم من الموظفين السامين: رغم أنّ القاضي هو الموظف الوحيد الذي يجب على السلطة جعله في وضعية مادية مريحة انطلاقا من التراث الإسلامي فإنّ الحكومات المتعاقبة على موريتانيا عملت على جعله دون زملائه من الموظفين السامين ذلك أنّه لا تمنح علاوة على رئاسة المحاكم وإذا منحت تكون زهيدة جدّا فعلاوة رئيس غرفة بالمحكمة العليا ونائب المدعي العام بها مثلا لا تتجاوز 5000 أوقية جديدة كما أنّهم لا يتمتعون بسيارات للخدمة هذا في الوقت الذي يحصل فيه زملاؤهم المعينون مدراء ورؤساء مصالح في وزارة العدل على علاوات تفوق ذلك بكثير ممّا جعل أكثر القضاة وكتاب الضبط يعملون على التعيين في وزارة العدل أو الإعارة إلى قطاعات أخرى أو دول أخرى بل إن علاوة الأعمال الخاصة التي تمنح لأغلب الموظفين لا تمنح للقضاة العاملين في المحاكم ربما لاعتقاد السلطات العليا بأنّهم لا يستحقونها هذا مع الإشارة إلى أنّها تمنح لقضاة محكمة الحسابات بل إنّ رواتب القضاة وامتيازاتهم لا تمكن مقارنتها برواتب وامتيازات القضاة الماليين ولا برواتب وامتيازات رؤساء الدوائر الإقليمية مثل رؤساء المراكز الإدارية والحكام والولاة وذلك رغم أنّ القضاء ينعدم فيه الفساد وهذا ما يشهد عليه أنّ: 97,99 % من القضاة تقريبا لا يملكون منازل في تفرغ زينه ولا سيارات متوسطة مثل Prado أحرى V 8عكس كبار الموظفين الآخرين كما أنّهم لا يتمتعون بتأمين صحي خاص هذا بالإضافة إلى أنّ رؤساء الجمهورية بما فيهم الرئيس الحالي دأبوا على أمور منها:

* الامتناع عن الوفاء بالوعود التي منحوهم خلال دورات المجلس الأعلى للقضاء خاصة في مجال تحسين وضعهم المادي بما في ذلك استصلاح قطع أرضية منحت لهم في صحراء قاحلة منذ ما يزيد على عشر سنوات

* الامتناع عن لقاء المكاتب التنفيذية لأندية القضاة ربما خوفا من تذكيرهم بتلك الوعود هذا معالإشارة إلى أنّ رؤساء الجمهورية في البلد اعتادوا اللقاء بمختلف ممثلي منظمات المجتمع المدني الأخرى 

4 ـ التعامل مع السلطة القضائية بطريقة لا ترفع من شأنها: دأبت الحكومات الموريتانية على التعامل مع السلطة القضائية بطريقة لا ترفع من شأنها عند الجمهور واتخذ ذلك مظاهر متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر طبعا الأمور التالية:

اـ عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية: كثيرا ما لا يتم تنفيذ بعض الأحكام والقرارات القضائية متى لم ترغب السلطة التنفيذية في تنفيذها حتى لو تتعلق الأمر بالأحكام والقرارات المتعلقة بحرية الأشخاص وممتلكاتهم ويعتبر الأمر هنا خطير لأنّه بتفشيه يمكن أن  يسود الاعتقاد بأنّ حراسة القضاء للحريات الفردية والممتلكات غير مجدية ومن بعض ما يحدث من ذلك  أنّه يمكن أن يصدر حكم ببراءة المتهم من تهمة القتل وتسحب منه الشكاية ويتم تأكيد الحكم من الدرجة الثانية ولا يطلق سراحه كما حصل في القضية موضوع الملف رقم:113/2008 الذي صدر فيه القرار رقم:27/2009 الصادر بتاريخ:19/05/2009 عن الغرفة الجزائية باستئنافية نواكشوط في تشكيلتها الجنائية مؤكدا حكما صادرا بالبراءة عن المحكمة الجنائية بولاية أترارزة ويشار إلى أنّ أحكام المحكمة الجنائية يتضح من المادة: 326 من ق إ ج أنّها غير قابلة للاستئناف في هذه الحالة هذا مع الإشارة إلى أنّ من الممكن أيضا أن تردّ محكمة الاستئناف محجوزا لصاحبه ولا ينفذ قرارها كما حصل في حالات عديدة منها ما هو متعلق بردّ سيارات مصادرة تطبيقا للمرسوم رقم: 13/ 2016 مكرّر المتعلق بإنشاء صندوق للمساهمة في محاربة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بتاريخ: 21/01 / 2016 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم: 1355 الصادر بتاريخ : 15 مارس 2016 الذي تمت بموجبه مصادرة سيارات كثيرة لم يستطع القضاء نجدة ملاكها الأمر الذي جعل السلطة التنفيذية تتدخل بعد ذلك بفترة طويلة لصالحهم بموجب تعديلها للفقرة الثانية من المادة: 38 من المرسوم رقم: 006\ 2020 المعدل للمرسوم رقم: 127\ 2017 المتعلق بتنظيم مكتب تسيير الممتلكات المجمدة والمحجوزة والمصادرة  التي نصت على ما يمكن أن يفهم منه أنّ السيارات المحجوزة بموجبه أعني المرسوم رقم: 013\2016 مكرر سالف الذكر تتم تسوية وضعيتها بالتفاهم بين ملاكها ومكتب تسيير الممتلكات المجمدة والمحجوزة والمصادرة  ( عدد الجريدة الرسمية رقم: 1455 ) ولم أتمكن حتى الآن من معرفة الطريقة التي تمّ بها استرداد تلك السيارات من طرف أصحابها غير أنّها تمّ استردادها فعلا

ب ـ توجيه الوزراء عبارات غير لائقة للقضاة: يمكن أن يزور وزير العدل محاكم معينة ويوجه خلال لقائه بالقضاة عبارات غير لائقة لرؤساء تلك المحاكم أمام المتقاضين كما فعل أحد الوزراء لرئيس محكمة مقاطعة توجنين ومحكمة مقاطعة الميناء ويشار إلى أنّ هذه الحادثة الخطيرة لم تنطح فيها شاة شاة واقتصرت مواجهتها على استقالة بعض القضاة من جمعية القضاة الموريتانيين التي رفضت حينها التنديد بالواقعة 

ج ـ فصل القضاة: يشار إلى أنّه سبق أن فصل أحد رؤساء غرف محكمة الاستئناف بنواكشوط وخفضت رتب 4 قضاة آخرين بها لأسباب شاع حينها أنّها تتعلق بتنفيذ أمر أصدره رئيس الجمهورية بعقوبتهم وتشي ظروف الفصل بأنّه لم يكن لأسباب طبيعية ذلك أنّ الجلسة التي عقد المجلس التأديبي في الموضوع لم يسمح بحضورها إلا لأعضاء ستصوت أغلبيتهم على توقيع العقوبة بينما منع أعضاء التشكلة الآخرين من دخول قاعة الجلسة المخصصة لجلسة المجلس التأديبي بأوامر صادرة إلى الشرطة من أحد أعضاء التشكلة النافذين هذا بالإضافة إلى أنّه يحتمل أنّ موريتانيا يمكن أن تكون الدولة الوحيدة التي يصدر فيها القضاة الأوامر للشرطة بمنع زملائهم من دخول قاعات المحاكم

د ـ إقالة القضاة وتحويلهم بشكل لا يخدم تكريس هيبة القضاء: ومن ذلك إقالة مدع عام لدى المحكمة العليا بعد فترة وجيزة من تعيينه دون تقديم أيّ مبرّر لذلك وإقالة أهمّ وكيل جمهورية في البلد من طرف وزير العدل لأسباب تتعلق بأنّ أحد أفراد الضبطية القضائية زعم أنّه خالف مرسوما مثل المرسوم رقم: 44/ 2017 الصادر بتاريخ: 20 إبريل 2017 المتعلق بتطبيق بعض مقتضيات قانون النقل البري كما حدث لوكيل جمهورية نواكشوط الغربية الذي أقيل يوم: 15/06/2017 بسبب مخالفة مزعومة للمرسوم وقعت من قبل الوكيل في يوم: 14/06/2017  والمرسوم لم يكن حينئذ قد نشر ذلك أنّه نشر في عدد الجريدة الرسمية رقم: 1399 الصادر بتاريخ: 15 يونيو 2017 أي اليوم الموالي للمخالفة المزعومة وكانت هذه الإقالة موضوع تنديد شديد من طرف نادي القضاة في بيان صدر عن مكتبه التنفيذي بتاريخ: 18/06/ 2017 ويشار إلى أنّ المخالفة المزعومة تتعلق بأنّ السيارة التي يستغل الوكيل لم تكن مرقمة أو أنّ زجاجها مظلل أو هما معا ( لا أتذكر وقائع القضية بشكل دقيق ) وكان الوكيل يستغلها في الوضعية التي تمّ تسليمها فيها باعتبارها هدية من جهة أجنبية لقطب مكافحة الإرهاب أو وزارة العدل وبالتالي لم تكن مرقمة كما أنّ أيّ قاض خالف طلبات النيابة العامة يمكن أن يحول من طرف وزير العدل إلى أماكن نائية وممّا حدث من ذلك في الفترة الأخيرة تحويل قاض تحقيق من نواكشوط الغربية إلى محكمة كرو وباركيول وما أجاز الربط هنا بين التحويل وغضب وزارة العدل هو سياقات القضية ذلك أنّ المتهم الذي امتنع قاضي التحقيق عن إيداعه أمرت النيابة العامة الشرطة بالاحتفاظ به حتى تعقد غرفة الاتهام جلسة ويشار إلى أنّه تمّت تبرئته لاحقا 

هـ ـ العمل على عدم تحريك الدعوى العمومية حماية للقضاة ولهيبة القضاء: نتيجة لعدم تجذر الاستقلال في القضاء الواقف ولأنّه هو من يملك تحريك الدعوى العمومية في بعض الأحيان ونظرا لأنّه اعتاد ألاّ يقوم بتحريك الدعوى العمومية ضدّ النافذين إلاّ بعد صدور الأوامر بذلك من وزير العدل خوفا من التعرض لبعض العقوبات المشار إلى بعضها أعلاه ونظرا لأنّ المدعي العام لدى المحكمة العليا لا يحرّك الدعوى العمومية بهذا الشأن عادة إلاّ تطبيقا لأوامروزير العدل أو بعد موافقته على ذلك فإنّه كثيرا ما يتم التقليل من هيبة القضاة والقرارات القضائية من طرف نافذين وعندما لا تصدر للنيابة أوامر بشأن متابعتهم فإنّها لا تحمس للمتابعة في هذه الحالة أو لا تتابع مطلقا وممّا يشكل مثالا على ذلك:

* قضية تتلخص وقائعها في أنّ أحد قضاة المقاطعات ذهب إلى أنّ الحاكم بها أمر رئيس مركز تسجيل السكان ( الحالة المدنية ) فيها بعدم تسجيل المواطنين انطلاقا من أحكام الحالة المدنية الصادرة عن المحكمة فأشعر القاضي وكيل جمهورية الجمهورية المختص بأنّ الحاكم أعطى أوامر لرئيس مركز الحالة المدنية بذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة: 36 من ق إ ج التي توجب إخبار وكيل الجمهورية بما يصل إلى علم الموظف من جرائم وذلك باعتبار أنّ ما قام به الحاكم انتهاك للفقرة الأولى من المادة: 208 من ق ج فأحال وكيل جمهورية القضية إلى المدعي العام لدى المحكمة العليا عبر السلم الإداري من أجل طلب رفع الحصانة والمتابعة التي لا يمتلكها سواه في هذه الحالة تطبيقا للمادتين: 613 ـ 615 من ق إ ج فأحالها المدعي العام بدوره لوزير العدل ليأمره بما يراه مناسبا حسبما تشي به الإحالة والأعراف المتعلقة بالموضوع في بلدنا وزيادة على ذلك وإمعانا من الحاكم في تحدي السلطة القضائية رفض توقيع الأوراق المتعلقة بميزانية تسيير المحكمة ولم أسمع حصول أيّ تطور في الملف حتى كتابة هذه الأسطر ... 

* قضية تتعلق بشكاية تقدم بها قاض ضدّ أحد ضباط الجيش الوطني وفيها حركت النيابة العامة الدعوى العمومية ضدّ المشكو منه إلاّ أنّها لم تجد تجاوبا من السلطة التنفيذية في الموضوع فلم يسلّم الجيش المشكو منه إلاّ بعد ما يناهز 15 يوما من المطالبة بذلك وبعد التفاف السلطة القضائية وإخوانها كتاب الضبط والمحامين ... في التنديد بالحادث 

الفقرة الثانية: جهود البرلمان المتعلقة بالقضاء

يتواصل بحول الله وقوته

محمد ينج محمد محمود فال المستشار باستئنافية ألاك

 

خميس, 24/09/2020 - 23:20