قطاع النقل البري: من السيئ إلى الأسوأ ـ تشخيص واقتراحات

يشكل قطاع النقل في بلادنا أكبر مظاهر فشل وتقصير السلطات الحكومية.

فسعة المنطقة الجغرافية للسكان وانعدام الطرق، وتمركز الخدمات الأساسية كلها في المدن لكبرى؛ بل في انواكشوط تحديدا؛ بل في جزء صغير منها... جعلت النقل من أول أولويات المواطنين وأكبر همومهم اليومية.

غير أنه ليس لم يكن كذلك، في أولويات واهتمام الدولة عبر كل أنظمتها المختلفة؛ 

= لا يوجد نقل بالقطارات،

= النقل الجوي المحدود، توقف، حتى في المدن القليلة التي توجد بها مطارات،

= الطرق المعبدة قليلة ورديئة وخطيرة؛ تفتقر للصيانة والرعاية البسيطة: مثل وضع الاشارات والإرشادات اللونية ووسائل التحذير والتنبيه في حالات العوائق والتلف الطارئة...

= الدولة الموريتانية هي الوحيدة التي لا تشق الطرق الممهدة (رامبلي) ولا الطرق الريفية (النكسة) القليلة التكلفة من حيث الإنشاء والصيانة، رغم دورها الحاسم في فك العزلة والانقطاع، حتى في المناطق الحضرية القريبة، بل وفي أحياء العاصمة نفسها!!

= التسهيلات معدومة في هذا القطاع، ابتداء من غلاء المحروقات وانتهاء بغلاء رسوم الضرائب والتأمين...

= يعاني النقل العمومي من فوضى عارمة وخطيرة من حيث غياب التصنيف والنظام والأمن والأمان، ويتعرض فيه الركاب للحشر والنشر مثل أكوام القش أو الحشيش، بغض النظر عن المسافات وحالة الطرق...

= يقتصر تدخل السلطات على جني الأرباح، والتمكين للرشوة وتمكين بعض الهيئات الغامضة؛ بل والخواص النافذين، من فرض الإتاوات والضرائب الجزافية على الناقلين بدون أي مقابل؛ بل وبدون أي أساس جبائي أو مرجع قانوني، رغم تسخير عناصر القوة العمومية لهذا الغرض!

= موريتانيا هي الدولة الوحيدة التي لا توجد بها سيارات معروفة للأجرة (تاكسي)، حيث اختفت هذه الخدمة المميزة، وأصبحت كل سيارة، حتى لو كانت معتمة وبدون لوحات أرقام وطنية، تعمل كسيارة أجرة، حسب مزاج سائقها الملثم، الذي قد يكون حدثا بلا رخصة سياقة، أو موظفا أو ضابطا... أو مجرما يستخدمها في جرائمه!

وللتذكير كانت في انواكشوط والمدن الكبرى سيارات الأجرة مميزة بلونها وعلاماتها وأرقامها الاجبارية، كما هو معروف في سائل بلاد العالم.

= تعتبر مصالح النقل البري؛ وخاصة مصالح رخص السياقة والبطاقة الرمادية... بؤرة تقليدية للفساد، مسلما لها بممارسة الرشوة والتزوير والوساطة والغش، ورداءة التسيير وسوء المعاملة... وبسبب ذلك اختفت مدارس تعليم السياقة المهنية التي كانت موجودة؛ لأن رخصة السياقة لم تعد تتطلب معرفة السياقة، وإتقان السياقة مهنيا لا يضمن الحصول على الرخصة!

= رغم إنشاء قوة عمومية خاصة بالطرق والمرور، فإنها كالشرطة سابقا، عاجزة تماما عن تنظيم المرور وضبط النقل، لأنها لا تملك الوسائل المادية ولا التأهيل، ولا سند الإرادة... لضبط وتنظيم هذا القطاع الفوضوي.

= أصبح قطاع النقل ميدانا للاستهزاء والسخرية من الحكومة وقراراتها المختلفة التي لا تتجاوز حبر إصدارها وألفاظ التصريح بها، مما يصيب القوانين وهيبة الدولة بمزيد من الانتهاك والاحتقار. ومن آخر أمثلة ذلك قرارات وقوانين تسمية مرائيب للتجمع والانطلاق في محطات طرقية محددة. وكذلك فرض تحديد عدد الركاب الملائم لكل عربة نقل عمومي أو خصوصي. وقبل ذلك قانون السير المنظم للنقل ووسائله سنة 2017، الذي ابتلعته السلطات العليا وأقرت مخالفته، فزعا من الاحتجاجات التي أثارها بسبب سوء الاعداد له وسوء تقديمه!

***

إصلاحات عاجلة

من غير المنطقي ولا المعقول أن يكون العالم يسير إلى التقدم والترقي، وتظل الدولة الموريتانية تسير إلى الوراء...

ففي السبعينيات كان هناك نظام للنقل عبر محطات رئيسية للطرق، وسيارات مرخصة للنقل بين المدن بحمولة محددة. وكانت هناك سيارات للأجرة مميزة بألوانها وأرقامها ومحددة الأجرة. وكانت هناك مدارس مرخصة لتعليم السياقة، وامتحانات مهنية للتأهل لدرجات رخص السياقة. وكانت هناك رحلات جوية داخلية إلى معظم المدن الكبرى في البلاد... فانظروا كيف اختفى كل هذا ولم يعد هناك إلا الفوضى والمعاناة!!

لهذا حان الوقت، إن كان ثمة إصلاح جاد، لاتخاذ إجراءات عاجلة في قطاع النقل البري على الأقل:

1.  دمج قوة أمن الطرق في سلك الشرطة الوطنية كشرطة مرور متخصصة.

2.  إسناد كافة شؤون المركبات، مثل اختبارات ومنح رخص السياقة، وتسجيل وترقيم المركبات، وإصدار البطاقة الرمادية وتجديدها دوريا وربطها مع الضريبة السنوية، والاشارة إلى صلاحيتها على لوحة الأرقام... كما هو معمول به في معظم دول العالم الآن...

3.   العناية بالطرق، وخاصة التفاصيل الصغيرة، مثل خطوط السير الملونة وإشارات المرور، وتوسعة التقاطعات (التي هي الآن ضيقة مثل علامة "+" يصعب اللف بينها).

4.   القضاء على بؤر الرشوة والابتزاز، وعرقلة السير، والصورة الشويهة... التي تمثلها جباية الاتاوات المحلية و"النقابية" في غمرة السير، ومنع تسخير عناصر القوة العمومية لتحصيل مثل تلك الاتاوات، التي يجب أن يدمج ما هو شرعي منها ضمن الضريبة السنوية أو "السنواتية" الموحدة المشار إليها آنفا.

5.   وضع نظام دقيق ومرن وصارم في نفس الوقت للنقل الحضري (التاكسي) من أول أساسياته تمييز سيارات الأجرة بألوان وأرقام، وتصنيفها بلون مميز لكل فئة وكل مدينة، ووجوب تعريف سائق، أو سائقين، دائمين لها تعلم شرطة المرور عند بتبديلهم.

6.   سن تشريع واضح لعدد الركاب المسموح بنقلهم في كل صنف من العربات، وتطبيق صارم لهذا التشريع، الذي لا بد أن ترافقه دراسات وإجراءات تضمن للناقلين مصالحهم؛ سواء بخفض أسعار المحروقات والضرائب، أو بزيادة مناسبة في أسعار النقل...

7.    منع جميع مؤسسات ووكالات التأمين، من التأمين على عدد من الركاب يفوق العدد المحدد في تشريعات نقل الأشخاص، حسب فئات المركبات.

8.   تزويد رجال المرور بوسائل الضبط والملاحقة الكفيلة بتمكينهم من تطبيق النظام وردع المخالفين، وتشديد الرقابة على قوة المرور نفسها لمنع انتقال فساد قطاع النقل البري إليها.

9.   تسهيل حل المنازعات بين المؤمنين والمؤمن عندهم، بإلغاء الرسوم الجزافية المجحفة لإجراءات معاينة وضبط حوادث السير (كونستا) التي أصبحت وسيلة لحماية وكالات التأمين من تعويض المؤمَّنين، بسبب عزوف الضحايا عن طلب التحقيق، بسبب ضريبته الجائرة على طرفي التصادم!

10.                     تزويد قوة المرور بوسائل ثقيلة لإخلاء الطرق من السيارات المتوقفة التي تعيق انسياب المرور، بسبب الحوادث أو الأعطال، وخاصة المركبات الضخمة، وتشريع غرامات رادعة على السيارات التي يتركها أصحابها فترة طويلةعلى قارعة الطريق، معرقلة حركة المرور، لأي سبب كان.

11.                     إصدار وتنفيذ تشريع يتيح وقف وحجز المركبات المدخنة التي تلوث الهواء وتضر بالبيئة...

12.                     وضع قواعد وأنظمة تشريعية لضبط ومراقبة وتنظيم ورش تصليح السيارات (أكراجات)، وتحدد المسئولين عنها، وتمنعهم من إصلاح أو تغيير هيئات أو ألوان السيارات بدون تصريح بذلك من شرطة المرور؛ حفاظا على الأمن، ومنعا لطمس الأدلة في حالات حوادث السير والدهس المجهولة...

خميس, 03/09/2020 - 15:36