توضيح من عضو فى لجنة التحقيق حول دور الوزير الأول فى صفقة لصالح عزيز

لم أطلع على الكثير مما نشر بعد تعليقي على تعيين الوزير الأول الجديد بسبب ضعف التغطية في المنطقة التي أتواجد بها، وعلى ضوء ما اطلعت عليه وما بلغني، ومن ضمنه مطالبة البعض بتوضيح حول صفقة بناء بعض الإنشاءات في الموقع التابع للرئيس السابق عند الكيلو متر 70 على طريق كجوجت، فإنني أود توضيح ما يلي:
 لم أقصد النيل من أحد بعينه ولااتهامه بالفساد أو بإساءة التصرف في المال العام ؛ وإنما أوضحت فقط أن إنجاز بعض الأشغال بموارد عامة في موقع مملوك ملكية خاصة هو عملية استخدام للمال العام بشكل غير شرعي ويخالف كل القوانين والنظم التي تحكم تسيير المال العام ومناف تماما للحرص على صون الأموال العامة وحسن توظيفها لتحقيق المصلحة العامة، وأن هذه العملية اشتركت فيها عدة أطراف بعضها أعطى الأوامر وبعضها أشرف وبعضها مول وبعضها نفذ وكل هذه الأطراف شريكة في إنحاز تلك الإنشاءات الخارجة عن القانون ، وبناء على الخروقات الجسيمة في هذه العملية فقد أحالتها الجمعية الوطنية للقضاء، وبالتالي فإن هذا الأخير هو وحده المخول بأن يحدد مدى ضلوع  أي مسؤول في أي مستوى في عمل مخالف للقانون يرتبط بهذه العملية، كما أنه وحده هو الذي يمكن أن يحدد من هو المسؤول ومن هو البريء في ملف معقد كهذا يرتبط برئيس جمهورية سابق يحتمل أن تتلقى فيه كل الأطراف المشتركة في العملية تعليمات مخالفة للقانون تقود إلى سوء استخدام الوسائل العامة؛ ولا يمكن بأي حال الحسم في ذلك إلا من خلال التحقيق القضائي الذي أحيل إليه الملف. 
وما أشرت إليه في تعليقي المذكور هو أن توضيح الملابسات والظروف التي تم فيها إنجاز تلك الأعمال والطريقة التي تمت بها وتحديد من هو المسؤول فيها ومن هو البريئ هي صلاحية حصرية للقضاء. 
وبناء عليه فإنني أرى أن أي طرف أو مسؤول مشترك في الملف يحتاج إلى تبرأته من طرف القضاء حتى يكون مؤهلا لتولي المسؤوليات العامة وخاصة تلك التي تتطلب موافقة البرلمان الذي اعتبر أن هذه العملية تنطوي على انتهاك صارخ لقواعد تسيير وحفظ المال العام.
ومن المعلوم أن أي ملف يخضع للتحقيق قد يكون فيه أبرياء وقد يكون فيه مدانون ولكن كل ذلك لا يمكن تحديده إلا بعد القيام بتحقيق من جهة مختصة.
وللمزيد من المعلومات عن هذا العقد ، ووفق التقارير المرجعية لملخص تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، فإنه في فاتح فبراير 2011 وقعت خيرية سنيم عقدا مع شركة ATTM للقيام بأعمال إيصال مياه الشرب يتضمن أشغالا أخرى إلى موقع كائن قرب الكيلومتر70 على طريق كجوجت تعود ملكيته للرئيس السابق وقد أعطيت مهلة 120 يوما كحد أقصى لإنجاز الأعمال .
وقد أدخل على هذه العقد الذي تصل قيمته 88709194 أوقية قديمة تعديلان تصل قيمة كل منهما على التوالي إلى 124858047  و 33239339 أوقية قديمة، وقد مثلت قيمة التعديل الأول  حوالي 150% من قيمة العقد الأصلي بينما مثلت قيمة العقد الثاني حوالي 37% من قيمته. وقد وقع الملحقان المذكوران بتاريخ 14/1/2011بالنسبة الأول و11/ 1/ 2012 بالنسبة للثاني أي بعد انقضاء الأجل المحدد لانتهاء الأعمال بستة أشهر بالنسبة للملحق  الأول و11 شهرا بالنسبة للثاني ومعروف من وقع العقد الأصلي ومن وقع  الملحقين من مدراء الشركة.
وبالإضافة إلى أن الصفقة لم تحترم المعايير المتعارف عليها في منح الصفقات ولم تخضع لأي منافسة، وأن إبرام الملاحق تم بعد انقضاء أجل تنفيذ الأشغال بفترة طويلة نسبيا ، و بالإضافة أيضا إلى مضاعفة المبالغ الواردة فيها لمبلغ العقد 
الأصلي، وهي المسألة التي لا يمكن أن تحصل في صفقة عادية خضعت للدراسة ومرت بالمسار الطبيعي للصفقات العمومية وسلمت من تدخل التعليمات و المؤثرات الخارجية عن أطراف الصفقة ، فلم تكن ثمة غرامة تتعلق بالتأخر في الإنجاز كما لم تكن المكافأة الخاصة بالجهة المنفذة محددة، وهي أمور تجعل العقد وقيمة الصفقة خاضعين لرغبة ومزاج الأطراف المشتركة فيها ، كما أن تلك الأطراف ( الممولة والمنفذة) لم توقع محضرا بانتهاء و تسليم الأشغال حسب المشرفين على المشروع  ولا بتحديد ماذا أنجز بالضبط رغم أن الواقع يشهد ببناء الإنشاءات وهو ما يثير الريبة والغموض حول ملابسات تلك العملية ودور الأطراف التي اشتركت فيها.
وبناء على المعطيات السابقة وغيرها ، ونظرا لأن المكان الذي أنجزت عليه الأشغال ملكية خاصة فقد خلص تقرير محكمة الحسابات إلى أنه يمكن اعتبار العملية اختلاسا للأموال العامة يخضع مرتكبوه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
وبناء على ما تقدم فإن التحقيق في ملابسات وظروف تنفيذ هذه العملية غير الشرعية والتي تنطوي على اعتداء على المال العام تتطلب على الأقل التحقيق مع الأطراف المشتركة فيها خاصة إذا كان الأمر محالا من طرف البرلمان وهذا هو بالضبط ما طالبت به ليتضح من المسؤول ومن البريئ وليس بهدف التعريض بأحد أو اتهامه. و في رأيي ان ذلك  هو ما ينسجم مع روح الرقابة التي قام بها البرلمان وأحال نتائجها للقضاء، وهو كذلك ما ينسجم مع تعزيز الثقة في إجراءات محاصرة الفساد ومحاسبة مرتكبيه.
بعد هذا التوضيح لا أريد العودة لهذا الموضوع لأنني لا أرغب ان أتطرق له من جديد ولا لغيره من المواضيع، رغم أنه قد يكون لدي المزيد من الملاحظات حول جوانب أخرى مرتبطة به وذلك بعد أن أصبح على مستوى القضاء الذي أثق في أنه سينصف الجميع وأن  تحقيقاته ستشمل كل جوانب الملفات المريبة المحالة حتى تلك التي لم يشملها  التحقيق البرلماني لأنه ليس مقيدا بما أحيل إليه من طرف البرلمان، ولن ألجأ للعودة إليه إلا في حالة محاولة التشويش على نتائج التحقيق أو تحريف الحقائق.

 

النائب الدكتور الصوفي الشيباني

عضو لجنة التحقيق البرلماني

اثنين, 10/08/2020 - 19:18