النساء والثّروة باترارزة في القرن التّاسع عشر!

احتفظت التقاليد المروية التروزية بقصص بعض المنافرات الشهيرة ذات الدلالة في هذا السياق نقتصر منها على ثلاث لما تعكسه من طبيعة ومستوى الثروة من جهة، وعقلية أصحابها من جهة أخرى؛ حيث كانت «المنافرة بالعطايا إظهارا للغنى والسخاء، حربهم الباردة إذا تشاح إثنان منهم».

فقد تنافر بابه ولد اعلى ولد أعمر ولد الشرقي ولد أعلي شنظورة (ت: 1233هـ/ 1817م) مع محمد فال بن عمیر (ت: 1237هـ / 1822م) المعروفين بثرائهما ومكانتهما المتميزة في الترارزة، ودامت المنافرة بعض الوقت لأن استعراض ثروتيهما قد أبقاهما في حالة تعادل.

وأخيراً قدم البخاري بن حيبله اسليطين الشمشوي، قرين ابن عمير، إليه تمساحاً من الذهب كان اتباع هذا الأخير من سودان السينغال قد قدموه إليه أثناء احدى جولاته الجبائية فيهم كهدية للسلام عليه عند مقدمه، واحتفظ به رفيقه دون أن يعلمه به، لما يعرف فيه من عدم اكتراث بمثل هذه التحف. تمكنت تلك التحفة الثمينة من ترجيح الكفة لصالح ابن عمير، فكافأ صديقه فعلته خير مكافأة. وغضب بابه من فعلة الزاوي وتوعده بأن يفعل به من الشر ما لم يفعل بأحد من قبله. فرد عليه البخاري قائلا: «إذا كنت قد فهمت قصدك فمعناه أنك ستكون بخيلا معی» فسر بابه بذلك الإطراء وكافأ صاحبه. 

أما المنافرة الثانية فقد جرت عام 1250هـ - 1834م بين السالمة فال بنت أعمر ولد ابراهيم فال زوج أمحمد بن أعلى الكوري (ت : 1826م) وأختها فاطمه زوج أحمد هدي ولد أحمد ديه من جهة، وأم المؤمنین بنت أحمد آجمار العتامية زوج الأمير أعمر ولد كنبه وأم ابنه أعليّة تؤازرها أخت لها من جهة ثانية.

وتقول الرواية أن الأربع كنّ ثريات جداً وأنهن عرضن ثروتهن أمام الملا: ذهبا، فضة، حليا، أقمشة فاخرة، إبلا وإماء.

وكانت السالمة فال منهن تملك سطلاً يسعٌ المرأة الجسيمة مملوءً بأنواع الحلي من ذهب وفضة وأحجار كريمة. وكان هذا السطل معروفا في بـلاد الترارزة بـ «صفارة الوجوه» لما يبعث في نفوس المنافسات من خجل. وقد قيم في تلك المناظرة بإحضار ذلك السطل ووزن وقوم ما فيه.

وعرضت أم المؤمنين كل ثروتها، فأقر الحاضرون بمماثلتها لحجم وقيمة سابقتها حتى قال الناس «انتفضت صفارة الوجوه».

وردت السالمة فال على ذلك بقولها ان منافستها لا تكافئها ثروة، إنما «تدخلت لصالحها بركة مرابطها السماني!»

وكانت المنافرة الثالثة بين أم المؤمنین بنت أعليه ولد أعمر ولد كنبة زوج امبارك ولد امحمد ولد سيدي أحمد زعيم أولاد دمان وإحدى نساء أولاد أحمد البركنيين أهملت الرواية إسمها ومنزلتها في قومها.

وتقدمت أم المؤمنين في هذه المنافرة بسبع إماء كواعب أترابه ملابس الأميرات ومثقلة أياديهن وأرجلهن وأعناقهن وآذانهن وشعر رؤوسهن بأنواع الحلى من ذهب وفضة وجواهر. كما كان زفانها المختار بن مان المرافق للفتيات يكتسي هو الآخر، حلة قشيبة.

وعندما رأت منافرة أم المؤمنين هيئة القادمين إليها، صاحت قائلة «لا أستطيع، مع الأسف، منافسة الساحل.»

 

المصدر: محمد المختار ولد السّعد، إمارة اترارزة وعلاقاتها التّجارية والسياسية مع الفرنسيين، 2002.

سبت, 08/08/2020 - 10:27