التعليم العالي والبحث العلمي على مفترق الطرق: نظرة موضوعية فاحصة

ظهرت في الأسبوع الجاري سلسلة مقالات تتحدث عما يمكن أن نسميه إنجازات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ونظرا للطبيعة الإحصائية لتلك المقالات التي تقدم حصيلة لعمل الوزارة خلال السنوات الخمس الأخيرة، فإنني أود هنا أن أسهم في إنارة الرأي العام حول بعض الحقائق التي يجب أخذها في الحسبان بخصوص ما يجري في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. 

ترى ما الذي دفع وزارة التعليم العالي إلى تقديم حصيلة الوزارة في هذا الوقت بالذات؟ لقد جرت العادة أن تقدم القطاعات الوزارية حصيلة عملها بمناسبة ذكرى الاستقلال أو عند تقديم الحكومة حصيلة عملها أمام ​البرلمان.
كنا نتوقع من وزارة التعليم العالي أن تقدم لنا حصيلة عملها أو ما أنجزته خلال انقطاع الدراسة بسبب وباء كورونا. على سبيل المثال: عدد الفصول الافتراضية، وعدد الاختبارات الإلكترونيةوعدد حلقات النقاش وعدد الطلاب المستفيدين وعدد الأساتذة المدرسين عبر المنصات الإلكترونيةوعدد المذكرات والرسائل العلمية التي تمت مناقشتها عن بعد وعدد البحوث أو الأوراق العلمية التي تم إعدادها خاصة عن وباء ​كورونا. 
لقد تحققت إنجازات محددة طالت الترسانة القانونية والمجال التنظيمي للمؤسسات التابعة للقطاع وفتح شعب جديدة ودمج مؤسسات متعددة. وطال الإصلاح الجانب المتعلق بالمنح التي كانت تفتقر إلى الشفافية والعدالة.

لقد حصلت تغييرات جذرية في النظام الجامعي ظاهرها الإصلاح لكن في باطنها أحدثتتداعيات سلبية على في الأسرة الجامعية حيث إن تلك التغييرات المغلفة بغلاف الإصلاح تم فهمها على أنها تحمل دوافع انتقامية وإقصائية لمجموعة معينة من أساتذة التعليم العالي.

في ظل عملية إعادة التدوير التي تنتهجها الإدارة الوصية على التعليم العالي لا يمكن أن نتصور أن يقدم القطاع خدمة فعالة تسهم في تنمية المجتمع. إذا كانت الإدارة الوصية تخص مجموعة قليلة تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة تخصها بكل التعيينات والمكافآت بمن فيهم كتاب تلك المقالات. هل يمكن أن نتصور جودة التعليم العالي في ظل الإقصاء والتهميش الذي تنتهجه الإدارة الوصية على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي؟ هل يمكن أن نتصور ضمانا للجودة إذا كان الأستاذ الجامعي الخبير المجرب يقصى من وظيفته ويستبدل بالسكرتير الخاص​للوزير؟
هل يمكن أن نتصور جودة أو تطويرا في التعليم العالي إذا كانت شروط اكتتاب رئيس الجامعة توضع على مقاس شخص معين يراد له أن يكون رئيسا​ للجامعة؟
هل يمكن أن نتصور جودة التعليم العالي إذا كان إبداء الرأي المخالف سببا للإقصاء والحرمان ؟
هل يمكن أن نتصور جودة التعليم العالي جودة التعليم العالي إذا كانت الإدارة الوصية على قطاع التعليم العالي منشغلة بالعداوات الوهمية وتصفية الحسابات وبث الشقاق والنزاع في مؤسسات التعليم العالي؟
من بين التشكيلة الوزارية الحالية فإن وزارة التعليم العالي هي الوزارة الوحيدة التي تم تسخير عمالها من مديرين ومستشارين وحتى رؤساء مصالح لتلميع صورة شخص معين عبر الكتابة على المواقع وفي وسائل التواصل ​الاجتماعي ؟​
هل يمكن أن نتوقع عدالة أو تطويرا أو جودة في هذا الجو المدهش وغير الإنساني الذي تعيشه وزارة التعليم العالي؟
أن تجند الإدارة الوصية على قطاع التعليم العالي عمال الوزارة وموظفيها لتقديم أرقام وإحصائيات عفى عليها الزمن وتم التشكيك في صحتها فمعنى ذلك أن وراء الأكمة ما وراءها.
أما وقد أرادت الإدارة الوصية على قطاع التعليم العالي أن تلفت انتباهنا إلى واقع القطاع ، وما دامت الإدارة الوصية على قطاع التعليم العالي قد دفعت بكتيبة من الموظفين (مستشارون ومديرون ومكلفون بمهام و عمال عاديون) للكتابة على المواقع لغرض واحد وهو تلميع صورة شخص بعينه، إذن فلتكلف الإدارة الوصية أحدا من معاونيها للكلام عن ملفات لم يتم التطرق لها بل تم إغفالها لحاجة في نفس يعقوب. نريد أن نسمع كلاما عن سوء التسيير والفضائح التي طالت مركز الخدمات الجامعيةCNOU ، ومعهد ISPILTI، ​ومشروع .WARCIP 
من العجيب أن لا تجد وزارة التعليم العلي والبحث العلمي ما تفتخر به إلا إسناد منحة إلى طالب يستحقها.من الغريب أن تكون وزارة التعليم العالي هي الوزارة الوحيدة التي يتم تسخير عمالها لهدف واحد وهو تلميع صورة شخص بعينه. من غير الأخلاقي أن تتبجح وزارة التعليم العالي بترسانة قانونية تم إعفاء المستشار القانوني الذي كان له شرف إعدادها وكان جزاءه جزاء سنمار. لقد أقيل من وظيفته رغم غيابه خارج الوطن في مهمة استشفائية. لم يشفع له شيء من ذلك. إذا انعدمت الانسانية والرحمة في الإدارة فلن يجدي التدين الزائف ولا الأوراد الخداعة. من المحزن أن تكون جهود موظفي وزارة التعليم العالي مسخرة لتلميع شخص معين وتقديمه كأنه شخص معصوم من الخطأ. من المؤسف أن يحرق أشخاص أنفسهم خوفا من بطش الوزير أو طمعا في إكراميات ​الوزير.
نعم في وزارة التعليم العالي أيضا أشخاص صادقون أمناء لكن واجب التحفظ يمنعهم من الكلام.

وفي ظل جو الحرية والديموقراطية التي يعيشها الوطن بقيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني فإن مجموعة قليلة في وزارة التعليم العالي تتبنى سياسة تكميم الأفواه وإسكات الآراء المخالفة وإقصاء أصحاب الرأي المستقل وتهميشهم والتقليل من شأنهم لكن الأيام كفيلة بإظهار الحقيقة... والله الموفق.

 

جمعة, 17/07/2020 - 00:23