تحياتي للدكتور حماه الله...

 كان تتبعك للمعاني المتغيرة لمفهوم "الازمة " دليلا على الروح العلمية، وعلى  الجهد الذي يحيل الى الدراسات في علم اللغة، وتوظيف اصحابها للمنهج التاريخي استنادا  الى النتائج القيمة  ك"رسالة اللاهوت" ل"اسبينوزا" ..
لكن رايي  في اطار النقاش المحترم الذي ينبع من السعي الى اللقاء بك بهذا الاسلوب التداولي...
فالاحداث التي مرت بها المجتمعات العربية تختلف عن التي عرفتها المجتمعات التي  ظهر فيها تيار الفكري الوضعي الوظيفي الذي طالب باقصاء  الايديولوجيا.. ووضع حدا للتغيير السياسي للابقاء على الانظمة ما بعد الحربين العالميتين.

فهل انت تتفاعل مع هذه الدعوة وترفض التغيير في المجتمعات العربية،  وهي ترسف تحت اغلال الاستبداد السياسي،  والاحتلالات الامبريالية؟ 
ثم ان نقاش الايديولوجيا يحتاج الى رؤية نقدية في اطار فلسفة النقد سواء  في راسة  الفكر الايديولوجي، أو غيره
فكيف نطالب  بنقض ايديولوجية الا ببديل لها،، فالوضعيون نقدوا الفكر الصراعي بالفكر الوظيفي الذي سعى لعدم التغيير في الانظمة الفكرية والسياسية، واشكال التغيير تتم في حدود افقي ضيق، وبطيء..
وكان رد الفعل عليهم فكرا، هو طهور فلاسفة  "الوجودية"،  وهي اكثر تعبيرا عن رفض اللايديولوجيا وذلك   بمناداتها ب"المنتمي" ، و"الا لتزام "وبقيمة "المثقف العضو" كما عند" غرامشي"..
........

فعبد الله العروي كانت كتاباته الروائية رائعة، لانه قدم حلولا جزئية، ومصدر الابداع كان  في تقنية الصراع الدرامي،  النفسي،  والاسلوب الادائي، واللغة،  وليس في الحلول الفكرية..   

 لكن دراسة العروي  للايديولوجية كان غير ناجح فيها ، واذا سالت  عن السبب، فاقول لك ــ وان من بعيد ــ ان الدراسة   الموضوعية  معيارها، هو:
*- اما البناء الفكري المكتمل،،
*-  او العمل في اطار الابداع  الفني  بمعني انه يقدم حلولا لمشاكل صغيرة بين افراد ولو انهم" نماذج "..
*- او الممارسة الميدانية في العمل السياسي..
لكن في تفاعل العناصر الثلاثة  ذهب الوجوديون  الى قيادة المظاهرات في فرنسا سنة 1968،، وفي الفكر قدموا انساقا فلسفية مكتملة..
وفي التفاعل بين عنصري الابداع والالتزام كتب جان بول سارتر المسرحيات الناجحة."الذباب"،،،

لكن اين اتجه فكر عبد الله العروي؟
فقذ ذهب الى الابداع الروائي فقدم حلولا جزيئة لابطال رواياته..تميزت بالنجاح.
ولكن حين ذهب في نقده  من الليبرالية الفكرية الى نقد الايديولوجيا العربية،، كان يصفها بالايديولوجيات غير المكتملة، لانه نظر اليها، كما لو انها انساقا مكتملة، وهي في طور التشكل...
وحين ذهب من الليبرالية  الفكرية الى السياسة العملية تحول الى مستشار للملك والتنظير ل"موبوتو" في "الكونغو  زايير" لقمع المعارضة ...
وهذا الذي  احرق فكر عبد الله العروي، ومسيرته خلافا للجابري الذي كان منسجما مع فكره التحليلي النقدي الاستنهاضي ..
فعبد الله العروي  اظهر نقده انفصاما  بينه،  وببن مجتمعاته العربية التي كانت قواها السياسية تصارع الاحتلال وتسعى للتحرر السياسي والتقدم الاجتماعي،  وفكرها السياسي،  كان ترجمة للمواقف، وحلا لمشاكل الناس، فالعدالة الاجتماعية  في مصر،  هي التي  كان يبحث عنها الفقراء، والاصلاح الزراعي، هو السبيل الى ذلك، ومجانية التعليم كانت ضرورة لاعادة التكوين التربوي والمهني  للانسان العربي،،

وليس الاحزاب الليبرالية، والدعوة لأوربة مصر ثقافيا،  كما نادى بها "طه حسين" في كتابه عن  الثقافة في مصر..

.......

ان محاولة اعادة استنبات نتائج  الليبرالية في البلاد العربية لايشكل  وعيا فكريا من المنادين بها..
اما فرضها فهو ليس لجلب الديموقراطية، وانما لتفكيك الانظمة السياسية المركزية، ولايمكن للبديل الا ان يكون كذلك مهما موه وجهه  بمقولات  اللامركزية،،
لماذا؟

لأن الثوابت الليبرالية من فصل السلطات.. وسلطة الرقابة الاعلامية، وتقديس حرية الفود..  التي  تأسست عليها الدولة الحديثة في الغرب،  ليس قائمة في البلاد العربية،  والنامية عموما،  وما هو موجود هو  انظمة سياسية،  يمكن وصفها بالمخترقة، والتابعة، وثابتاها المرتكز  عليهما  هما :

 مؤسستي الامن الداخلي، والجيش..وهذان لاحضور لهما اطلاقا، ولانفوذ لهما الا عند التهديد العام في الغرب...بينما هما الموجودان  الفاعلان في دولنا، ولا وجود لغيرهما..
ولذلك كانت محاولة استجلاب  مؤسسات آليات  الدولة  الليبرالية  لها كفصل السلطات انما هو صوري،، و الهدف منه هو تهجين الحراكات السياسية، لانه اداة التوعية والتغيير، وهما غير مطلوبان لا محليا ولا عالميا ..والبديل هو تفريخ الاحزاب القبلية، والجهوية، والطائفية، والعشائرية، والعرقية.
لكن لماذا؟
لان الحراك السياسي ليس لديه ثوابت وطنية مشتركة خلافا للاحزاب السياسية الغربية...
.........

لقد تحدثت  عن الابداع الادبي، ولعلك قصدت حركة  الادب الروائي والقصصي، والطفرة الملاحظة  في اقطار الخليج العربي..
لكن هل يمكن ان تجد عملا ادبيا ناجحا الا اذا كان يعبر عن رؤية ما  لحل "ازمة": اسرية،  او شبابية، او نفسية،،او تحرير الارض كما  في قصص غسان كنفاني "عائد الى حيف"،، ويقدمها المبدع في اطار العمل  الدرامي، وقد ذكرنا آنفا ان الاداء الفني اسلوبا ودراما هو مصدر النجاح وليس الحلول الفكرية التي تستبدل بالاخلاقية و الاداب العامة....
فهذا الشكل من الادب هو من الادب الملتزم، وانت حين استعذبته، غاب عن ذهنك انه من الادب المتزم بالايديولوجيا المضمرة،  ومعظمه يعبر عن تنامي فكر  الحركة النسائية في اقطار المجمتع الابوي في انظمة الخليج القروسطوية....

اخيرا حدد لنا مفهوم الحيادية، وهل هي وسيلة او غاية،  وما هي تلك الغاية؟
واسالك عن مفهومك للايديولوجيا التي طالبت باقصائها ؟
وكيف يتم  بناء العمل الادبي  بتقنية الصراع الدرامي الذي يعكس الصراع الاجتماعي في اطار الاسرة، او صراع الاجيال بين الآباء والابناء، دون حلول يستنطق بها  ابطال العمل الفني، وبفكر سياسي ايديولوجي  في حلوله للقضايا وان غير انكشافية  للقارئ سطحي التفكير... ؟

 

اشيب ولد اباتي

أربعاء, 15/07/2020 - 08:19