قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات الجديد: ضمانة للنفاذ إلى معلومات دقيقة وموثوقة أم استهداف لحرية التعبير؟

تنشأ القوانين لتنظم العلاقات بين أفراد المجتمع من جهة وبين الفرد والدولة من جهة ثانية، وكلما كانت تلك القوانين نابعة من واقع المجتمع كانت مقبولة شعبيا ويسهل على أجهزة العدالة إنزالها على الوقائع التي تستهدف ضبطها، كما يجعل ذلك الأحكام القضائية المؤسسة عليها سلسة التنفيذ.

فالإختلالات التي يشهدها مرفق القضاء المتمثلة في عدم الفصل العادل بين المتقاضين لا تعود للمساس بمبدأ استقلال القاضي فقط، بل تعود في جزء كبير منها للمنظومة القانونية المعتلة التي يوكل للقاضي تنفيذها عن طريق إصدار الأحكام القضائية.

ويرجع اعتلال المنظومة القانونية للسياسة التشريعية المفصولة عن الواقع التي تنتهجها الدولة والتي لا تراعي فيها مصلحة المواطن وما يشعر به بل تركز فيها على ما يهم بقاء النظام. حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق وحريات المواطنين وهو ما يجعلنا أمام مصلحتين متعارضتين:

مصلحة النظام المتمثلة في تجريم كل ما يزعج بقاءه في السلطة حتى وإن كان التعبير بكلمة.

ومصلحة المواطنين الكامنة في حماية حقوقهم وحرياتهم ـالتي من المفترض أن تكون أولوية أي نظام قائم وعلة وجوده في السلطةـ.

وقد دأبت الحكومات المتعاقبة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية العمل على سن قوانين رغم أهميتها لكن واقع المجتمع لا يتطلبها أو لنقل بأنها ليست بالأولوية الملحة في الوقت الراهن.

ولم يكن آخر تلك القوانين قانون النوع الذي عرض عدة مرات من قبل الحكومة على البرلمان للتصويت عليه لكن الرفض كان نصيبه في كل مرة لمساسه بالثوابت الدينية للمجتمع كما يقول علماء دين.

وكان آخر مشروع قانون مقدم من طرف الحكومة أقره البرلمان هو: "قانون يتعلق بمكافحة التلاعب بالمعلومات" الذي يجرم ويعاقب نشر المعلومات المضللة عبر شبكة الانترنت هذا بالإضافة إلى أفعال أخرى أضفى عليها صبغة التجريم.

لكن اللجوء للقانون الجنائي قد لا يكون الوسيلة الناجعة لمعالجة الظواهر الاجتماعية المخلة باستقرار المجتمع، فاستئصال الممارسات الضارة بالحياة المشتركة يبدأ بمعالجة أسباب تشكل تلك الممارسات المؤدية للاضطراب الاجتماعي.

فتجريم نشر المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل غياب مصادر رسمية موثوقة للمعلومة يحترمها المواطن يعد استهدافا للأصوات الحرة الباحثة عن الحقيقة خاصة إذا علمنا أنه تم توقيف عدة أشخاص قبل إقرار هذا القانون متهمون بنشر مواد تنتقد أداء الحكومة فيما يتعلق بجائحة كورونا وتشكك فيما تقدمه من معلومات عن الحالة الوبائية في البلاد.

فالإعلام الرسمي يصور رجل الدولة إنسانا خارقا حياته كلها نجاحات خالية من أية إخفاقات، كما أن جميع أقاليم الدولة ـ طبقا للإعلام الحكومي ـ عبارة عن ورش عمل لا تتوقف عن البناء والسعي لرقي المواطن ورفاهيته، في حين أن الواقع يختلف تماما فتلك صور وهمية لا وجود لها إلا على منصات الاعلام الرسمي. وهو ما أفقد هذا الأخير المصداقية لدى الناس.

فالعمل على بناء ثقة المواطنين فيما يبثه اعلام الدولة من معلومات هي أفضل وسيلة لمواجهة التلاعب بالمعلومة، بالإضافة إلى تمكين الجميع من الوصول لكل الحيثيات المتعلقة بتسيير الشأن العام.

ومن الناحية القانونية البحتة يستشف من قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات صرامته فيما يتعلق  بالعقوبة على الأفعال التي جرمها. حيث أنه لم يمنح للقاضي سلطة الاختيار عند توقيعه للعقوبة، بين الحكم على المدان بالغرامة المالية أو العقوبة السالبة للحرية. بل ألزم القاضي توقيع العقوبتين معا على كل من تثبت إدانته طبقا للقانون المذكور.  

وفي نفس الإطار يعاب على هذا القانون أخذه بالعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة والتي أثبتت الدراسات المتعلقة بالتجريم والعقاب وحتى الممارسات العملية لها في السجون تأثيرها السلبي على الشخص المتخذة ضده حيث تجعل منه ـفي الغالب ـ مجرما بالممارسة بعد ما كان مجرما بالصدفة. فالعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة لا تؤدي الهدف الاساسي من العقوبة المتمثل في إصلاح الجاني لا مجرد إيلامه. وهو ما جعل جل السياسات الجنائية المعاصرة تعتمد عقوبات بديلة لهذا النوع من العقوبات مثل (السوار الالكتروني والغرامة المالية اليومية).

ويحسب لهذا القانون تجريمه إنشاء هوية رقمية مزيفة هدفها نشر ادعاءات تنال من شرف واعتبار شخص معين. وهوما سيساهم بلا شك في الحد من موجات السباب التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي.

ويجب تكوين أجهزة العدالة الجنائية على التعامل مع هذا النوع من الجرائم غير التقليدية من أجل الحصول على أفضل النتائج في مواجهتها.

وعلى العموم يبقى ما يهم المواطن الموريتاني تأمين قوت يومه خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضها وباء كورونا الذي فاقم من تأزم أوضاعه الاقتصادية الهشة أصلا.

فهل تقصد الحكومة من سعيها لسن قانون كهذا إسكات أي صوت ينتقد الأوضاع المتردية في جميع مناحي الحياة داخل البلاد؟

 

سبت, 04/07/2020 - 16:00