كورونا ومعركة الوعي المجتمعي في موريتانيا

 

                                     لقد تم تصنيف فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) بأنه "جائحة" لما يشكل من خطورة على العالم أجمع. تتشكل خطورته في كونه مستجد ا، فإذا كان من عائلة معروفة فإنه هو في حد ذاته يبقي مجهولا وبدون علاج. تشكل معركة الوعي المجتمعي الرهان الأكبر في معركة مكافحة هذا الوباء. فالمجهودات الحكومية لا يمكن البتة أن تنجح في كبح انتشار الفيروس القاتل دون جهود الأفراد والمجتمعات. لقد كان تعامل الحكومات مع المجتمعات يعتمد في الأساس على التوجيه وطلب المواطنين التزام منازلهم. تشكل الحالة الموريتانية حالة مفارقة، فالحكومة بدأت بشكل مبكر فرض إجراءات احترازية تمت الإشادة بها وبنتائجها في المرحلة الأولى، لكن مرحلة ما بعد منتصف شهر مايو شكلت منعطفا خطيرا في منحنى انتشار فيروس كورونا في بلادنا. تجدر الإشارة إلى أن عاملين اثنين- منبين عوامل أخرى- يبدوان مقلقين ومثيرين للانتباه. يتعلق الأمر بالوفيات خارج المستشفيات أو على الأقل على أبوابها؛ وكذا ظاهرة انتشار الزواج بحجة انخفاض التكاليف في فترة ينصح فيها أصلا بالتباعد الاجتماعي. هنا يتبين أن قلب المعركة ليس المجهود الحكومي فحسب بل الوعي المجتمعي وضرورة انخراط مؤسسات المجتمع المدني والأفراد في هذه المعركة كي يبقي الوضع تحت السيطرة.

-1-

حسب منظمة الصحة العالمية، فإن مرض كوفيد-19 هو مرض معد يسببه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس الجديد ومرضه قبل بدء تفشيه في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول ديسمبر2019. تتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لمرض كوفيد-19 في ‏الحمى والإرهاق والسعال الجاف. وتشمل الأعراض ‏الأخرى الأقل شيوعاً ولكن قد يُصاب بها بعض ‏المرضى: الآلام والأوجاع، واحتقان الأنف، ‏والصداع، والتهاب الملتحمة، وألم الحلق، والإسهال، ‏وفقدان حاسة الذوق أو الشم، وظهور طفح جلدي ‏أو تغير لون أصابع اليدين أو القدمين. وعادة ما ‏تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ بشكل تدريجي. ‏ويصاب بعض الناس بالعدوى دون أن يشعروا إلا ‏بأعراض خفيفة جداً .

حسب جامعة جونز هوبكنز المتخصصة في الإحصائيات المرتبطة بجائحة فيروس كورونا، فإن عدد المصابين في العالم   بلغ مساء يوم 14/06/2020 7845048مصابا، توفي منهم ما نسبته 5,49% أي 431268 مصابا حول العالم. تأتي في مقدمة الدول المصابة الولايات المتحدة الأمريكية2088986، متبوعة بالبرازيل850514 ثم روسيا528267، فالهند320922. أما من حيث الوفيات، فتأتي الولايات المتحدة في المقدمة 115586، متبوعة بالبرازيل42720، المملكة المتحدة 41783، فإيطاليا34345، ثم فرنسا 29401 و. إسبانيا27136

-2-

حسب المعطيات المتوفرة من وزارة الصحة، فإن عدد الإصابات المسجلة في موريتانيا يوم 14/06/2020 بلغ 1738 حالة، بلغ عدد الوفيات للأسف 87 حالة، وعدد حالات الشفاء 332 حالة. للتذكير فإن البلاد أعلنت خالية من الوباء في منتصف شهر إبريل علما أن تسجيل أول حالة كان في منتصف شهر مارس 2020 . بالنظر إلى المنحنى أسفله، يمكن التمييز بين حالتين مختلفتين بالنسبة لموريتانيا، حالة أولى مستقرة ومتحكم فيها إلى حد كبير بل إنه تم الإشادة بالجهود الموريتانية على المستوى الدولي خصوصا الإجراء ات المتمثلة بالتكفل بالعائدين إلى الوطن، وما تبع ذلك من إغلاق للمعابر والمطارات والحدود. كل هذه الإجراءات بعد عون الله تعالى ساهمت في الحد من انتشار الوباء. تعززت هذه المرحلة بإعلان حالة الطوارئ الصحية وحظر التجوال... إلخ. لكن ماذا حدث حتى تغير المنحنى بشكل انعطافي انطلاقا من منتصف شهر مايو؟ رغم أن مصالح الصحة تبرر ذلك بسبب المرور إلى الحالة المجتمعية، فإن عوامل عدة -من وجهة نظري -ساهمت بشكل أو بآخر في المرور إلى الحالة المجتمعية؛ منها مثلا التخفيف لحالة الطوارئ الصحية وما يسببه ذلك من حركية قد تسبب العدوى بين المواطنين؛ أضف إلى ذلك ظاهرة التسلل بين المدن وحتى بين بعض دول الجوار. وهذا يقودنا إلى المحور الثالث الذي يشكل الرهان ألا وهو معركة الوعي المجتمعي.

 

-3-

المفزع والمقلق حقا في الحالة الموريتانية هو نسبة عدد الوفيات البالغة 5%، للتذكير فإن المعدل العالمي في نفس اليوم 14/06/2020، بلغ 5,5% تقريبا. مقابل 1,17% في السنغال، 3,5% في مالي، 7% في الجزائر، 2,4% في المغرب. فعند الرجوع إلى المنحنى أسفله، نلاحظ للأسف بأنه يأخذ شكلا تصاعديا مضطردا. مؤشر عدد الوفيات يمكن أن يشكل عاملا مهما لقياس مدى نجاعة المنظومة الصحية وكذا جودة الرعاية الصحية. لكنه ليس كذلك بالنسبة للحالة الموريتانية؛ على الأقل حسب التصريحات اليومية الصادقة لمدير الصحة، وكذا حسب ما قاله الوزير الأول الموريتاني في نقطته الصحفية الأخيرة. 67% من الذين توفوا -رحمهم الله ـ -توفوا خارج المنظومة الصحية أو عند أبوابها للأسف فلم يستفيدوا من الرعاية التي يمكن ـ-بعد مشيئة وقدره الله تعالى- أن تنقذ أرواحهم.

من هنا تبدو أهمية العامل الاجتماعي وضرورة بذل الجهود كل من موقعه، وإعلان معركة وعي مجتمعي يقوم بها الأفراد أولا من خلال المسؤولية الدينية والأخلاقية اتجاه ذويهم الذين يتوفون في المنازل. يجب عليهم الإبلاغ عن الحالات المرضية لكبار السن وذوي الأمراض المزمنة. بعد ذلك تأتي مسؤوليات المجتمع المدني من خلال القيام بالتحسيس والإرشاد عن قرب للمواطنين. ومن هنا أيضا وجب التركيز على الجانب التوعوي والتحسيسي. أعتقد بأن القيام بمقابلات مع من أصيبوا وشفوا بحمد الله ستساهم لا محالة في كسر هاجس الخوف من المرض ومن زيارة المستشفيات.

 

وختاما، فإن جائحة كورونا العالمية، أظهرت عدة أجوبة من طرف الدول حسب نظرتها للمواطن؛ فكانت الردود مختلفة، فبعض الدول استعملت النفوذ والقوة والنظام، وبعضها اختار التجاهل والنكران للجائحة. لكن رهان المعركة الذي شكل الفرق هو الوعي المجتمعي ومسؤوليات الأفراد. لم تعد الدولة بالمعنى التقليدي في هذه الحالة قادرة على الحلول، بل لا بد من المساهمة الفاعلة والانخراط التام للأفراد في المعركة. أعتقد أن الدولة الموريتانية قامت بخطوات مهمة في مواجهة هذه الجائحة. يبقي على المواطن أن يقوم بدوره في الإسهام في هذه المعركة من خلال القيام بالفحوص إن اقتضت الضرورة وكذا تحسيس الأفراد الأكثر عرضة بضرورة زيارة المستشفيات المخصصة للرعاية بالمرضى والتكفل بهم عند الضرورة. مع الالتزام طبعا بكل التعليمات الصادرة من الجهات المختصة، وخصوصا ما يتعلق منها بالتباعد الاجتماعي. خصوصا، وللأسف الشديد، أننا نلاحظ يوميا وعبر الوسائط الاجتماعية كثرة الأعراس وما يواكب ذلك من تقارب قد يؤدي ـ-لا قدر الله ـ -إلى نقل العدوى بشكل سلس. حفظ الله موريتانيا ورفع عنها البلاء والوباء وعن سائر بلاد المسلمين وعن جميع الكرة الأرضية. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الزين الزين الطالب مهندس تنمية، وباحث في علم الاجتماع

خميس, 18/06/2020 - 14:19