تحطم طائرة بوسيف: محاولة لفك لغز حير الموريتانيين (4)

تعتقد المصادر المقربة من الليبيين والصحراويين، أن محور باريس-مدريد-الرباط- دكار قد اتخذ قرارا غداة انقلاب 10 يوليو (في شهر ديسمبر 1978) بالتحرك لاجل منع توقيع أي صلح بينها مع البوليساريو وإعادتها إلى حظيرة هذا المحور بعد تغيير سلطتها. وبالنسبة لهؤلاء فإن قيادة ذلك التحرك قد أسندت للأمين العام للرئاسة الفرنسية رينيه جورنياك –الذي يتصرف باسم اللوبي الاقتصادي الاستعماري الفرنسي في إفريقيا- معتمدا على حليفين رئيسيين في شبه المنطقة هما الملك المغربي الحسن الثاني والرئيس السنغالي سينغور، وعلى السفارة الفرنسية والوكالة الفرنسية للأنباء في نواكشوط.

وعلى المستوى الداخلي، يجري تنفيذ تلك العملية بالتنسيق مع كل من مريم داداه –التي تقود أنصار النظام المدني المطاح به من داكار- والضابطين فياه ولد المعيوف وكادير –المقربين من المغاربة، والمقدم أحمد ولد بوسيف –الذي يمتلك علاقات قوية مع ضباط فرنسيين والذي سربت له السفارة المغربية في نواكشوط أنه يجري التخطيط لاعتقاله يوم 10 ابريل- بالإضافة إلى الدركي عال انجاو الذي أسندت له مهمة الإعلان عن تشكيل جبهة "وال فوغي" (جبهة لتحرير السكان السود في جنوب موريتانيا).

تتحدث تلك المصادر عن عدة مراحل مر بها تنفيذ تلك المهمة، فبعد مرحلة أولى حاولت فيها فرنسا أن تظهر محايدة واكتفت "بالمشاغبة" على محاولات التوصل إلى سلام عبر تقديمها لمقترح يقضي بإنشاء دولة للصحراويين على واد الذهب وجزء من الأراضي الموريتانية كتعويض عن الساقية الحمراء، بدأ الموقف الفرنسي يتغير بشكل ملحوظ منذ شهر ديسمبر 1978 حين امتنعت السلطات الموريتانية عن الرضوخ للضغوط الفرنسية بشأن منح صفقة مقطع كيفه/النعمه من طريق الأمل للشركة الفرنسية "كولاس" ومنحته لشركة "ميندز" البرازيلية.

وترصد تلك المصادر تحركات تم القيام بها منذ ذلك الوقت للتحضير لما حصل يوم 6 ابريل: زيارة الرئيس السنغالي للمغرب يوم 3 ديسمبر، تحركات مريم داداه إلى فرنسا وسويسرا للتنسيق مع الفرنسيين والمغاربة بعد حصولها على دعم مالي من بعض القادة الأفارقة وخصوصا من الرئيس بونجو، الزيارة التي قام بها المقدم بوسيف يوم 7 ديسمبر إلى فرنسا حيث اجتمع مطولا بوزير التعاون الفرنسي، زيارة العقيد فياه ولد المعيوف أيام 23، 24 و 25 يناير 1979 للمغرب بدعوة من الملك، الزيارة التي قام بها الحسن الثاني لفرنسا 14 فبراير 1979 والتي وعده خلالها الرئيس جسكار ديستينه بتغيير السلطة في موريتانيا.

بالنسبة لتلك المصادر فقد وقع اختيار دول المحور على إثارة مشكلة عرقية في موريتانيا وأسند الدور الأبرز في ذلك للرئيس السنغالي. ولم تأت نهاية يناير 1979 إلا وكانت المخططات في ذلك الاتجاه قد بدأت تؤتي أكلها: ظهور كتابات على الجدران يوم 25 يناير معادية للجنة العسكرية وتدعو للمساواة الثقافية ومنح الأهمية للمناطق الجنوبية، إلقاء منشور تحت عنوان: "الزنوج الأفارقة واضطهاد الدولة العربية البربرية أو ضرورة حل المسألة الوطنية"، ظهور مقال يوم 4 فبراير في صحيفة "لو موند" تحت عنوان: "غضب السكان السود" يتضمن مقتطفات من المنشور السابق، اعتقال متهمين بتوزيع المنشورات في نواكشوط يوم 7 فبراير وإعلان وزير الداخلية عن محاولات خارجية لزعزعة أمن البلاد، ظهور مقال تحريضي في صحيفة "لا كوروا" الفرنسية يوم 8 فبراير يتحدث عن استياء الزنوج وتهديدهم بطلب "الانضمام إلى وطنهم الأم السنغال".

وفي 19 فبراير قام الرئيس سينغور بزيارة مدينة "ماتام" الحدودية –التي لم يزرها منذ 73- ليلقي خطابا حول رفض فرض أي لغة على المواطنين، ويوم 8 مارس نشرت صحيفة "لو موند" مقالا مطولا يشيد بسياسات الرئيس ولد داداه ومواقفه من القضية الصحراوية، وفي أيام 8، 9 و 10 مارس نشرت يومية "لو سولي" –الناطقة باسم الحكومة السنغالية- سلسلة مقالات مستفزة لموريتانيا تحت عنوان: "من الحرب إلى الحرب الأهلية"، وفي 14 مارس عقد وزير الخارجية المغربي محمد بوسته مؤتمرا صحفيا حذر خلاله السلطة الموريتانية من الاقتراب مما "يمس السيادة المغربية".

وفي 22 مارس نشرت صحيفة "لو موند" مقالا لمراسلها في السنغال حول قلق السنغاليين بخصوص "مستقبل السود الموريتانيين الذين يشعرون بالتهديد من قيام دولة صحراوية"، ذكر خلاله بأن الرئيس سينغور لن يتردد "في إثارة الشرعية التي يمتلكها 500 ألف زنجي إفريقي للحصول على الاستقلال، إذا تم منح 70 ألف صحراوي دولة"، كاشفا أن الرئيس السنغالي صرح لدبلوماسيين في دكار أنه لن يتردد في "طلب الأمم المتحدة التدخل لتنظيم استفتاء يتيح للسكان السود استقلالهم الذاتي إذا اتضح أنهم في خطر".

وفي 26 مارس أعلن في داكار عن تشكيل جبهة "وال فوغي" للكفاح المسلح من أجل تحقيق الاستقلال الذاتي للزنوج الأفارقة في والو وفوتا وكيديماغا.

وفي 6 ابريل وصل إلى السلطة الرجل الذي تصفه الأوساط الغربية بالمعتدل وبالليبرالي وكان أول المباركين له هو الرئيس السنغالي الذي حل ضيفا عليه بعد ثلاثة أيام. هل يعني كل ذلك فعلا أن المحور الثلاثي فكر وقدر ونجح في تنفيذ مخططه الرامي لاستعادة السلطة من فريق العاشر من يوليو؟ أم أن الأمر لا يعدو أكثر من أن ضباطا معروفين بمناهضتهم للانقلاب قد عرفوا كيف يستغلون الوضعين الداخلي والخارجي لصالح استعادة السلطة ممن أخذوها دون علمهم يوم العاشر يوليو؟

لا يهم ما إذا كانت الحقيقة هي هذه أو تلك لأن الأهم هو أن المحور الليبي الجزائري الصحراوي، قد شعر بأنه تلقى ضربة من محور باريس/الرباط/داكار، وأن الليبيين على وجه الخصوص –الذين بذلوا الكثير من أجل استعادة الحليف الموريتاني- قد يكونوا شعروا بأن عليهم بدورهم أن يردوا الإهانة على طريقتهم!

 

يتواصل

 

أربعاء, 10/06/2020 - 12:01