احمدو ولد عبد الله: من يصل إلى دفة الحكم ينبغي أن لا يجعل الدولة غنيمة حرب

طالب الدبلوماسي الاممي الموريتاني، احمدو ولد عبد الله،  رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، ان يمنح للموريتانيين هدية عيد الفطر ممثلة فى قرار  بإرجاع العلم الوطني الاول والنشيد الوطني وتسمية مطار نواكشوط الدولي باسم الرئيس المرحوم المختار ولد داداه، وايضا  اعادة كلمة "ولد" الى اسماء الموريتانيين باعتبارها رمزا لهويتهم.

كما طالب ولد عبد الله بفتح تحقيق فى تسيير  وكالة الحالة المدنية طيلة الفترة من 2009. الى 2019

تصريحات الدبلوماسي الاممي ووزير الخارجية الموريتاني السابق احمدو ولد عبد الله جاءت ضمن مقابلة اجرتها معه جريدة "بلادي" الناطقة بالفرنسية ونشرتها اليوم، وتنشر صحيفة اقلام ترجمة للمقابلة باللغة العربية.

 

بلادي: صاحب السعادة لا مناص اليوم من السؤال عن رأيكم في تعامل سلطاتنا الوطنية مع جائحة كوفيد 19 وكيف السبيل الى استشراف مطمئن للمستقبل؟  

 

احمدو ولد عبد الله:  أنا مرتاح مثل أغلب المراقبين لردة الفعل السريعة والحازمة التي قابلت بها الحكومة هذه الجائحة وقد زاد من إعجابي صعوبة القرار وتعسر تنفيذه بحزم ثم الالتزام به طيلة المدة الضرورية. إنه على الرغم من قلة تجربتنا في هذا المجال فقد قيم يكل ما يلزم دون ضجة أو زهور ما عهدناه من خطابات شعبوية.

لقد تصرف أكثر الوزراء صلة بالأزمة (الصحة – الداخلية – الدفاع - الخارجية) بوصفهم أعضاء فريق منسجم يعمل بحزم و مرونة. إن هذه المقاربة تكوَن مواطنينا وهيئاتنا على المسؤولية الجماعية والروح الوطنية.    

إن هذه الأزمة ستعزز دعائم الدولة الوطنية بحكم المخاطر الفتاكة لهذا الوباء من ناحية و ردة فعل الحكومة من ناحية أخري. إن تنظيم مواجهة الخطر و تنفيذها يأتيان من مركز السلطة الوطنية وليس من هيئة دولية. إن جائحة كوفيد 19 قد أعادت في بلدنا و في بقية العالم تأسيس الدولة الوطنية ولا نعني مفهومها الضيق وإنما هذا الواقع الناصع المتمثل في كون أمن الجميع مسؤولية الدولة التي هي السلطة البارزة و المتحكمة.

لقد أكد وباء كوفيد 19 في بلادنا و في أوروبا و آسيا أن نشأة الدولة الوطنية أو نهضتها تتمثل في كونها الآمرة الأولي على الجبهة.  إن التضامن بين المواطنين أقوي وأولي بالقبول داخل وحدة مجال متسعة.  إن واجب حماية المواطنين قد تعدي المنظمات الدولية العتيدة حني إذا افترضنا أنها ما زالت مؤسسات أساسية.

 

بلادي: إن موريتانيا كما هو حال المنطقة و بقية العالم تعاني من الوقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الجائحة المهولة فماذا يمكن أن تقوم به الحكومة في رأيكم لمواجهة هذه الوضعية؟  

 

احمدو ولد عبد الله:  لقد أكرهت حكومتنا كبقية حكومات العالم والمنطقة على مواجهة "حرب مفاجئة" وذات مدة غير محددة غير اننا نعرف العواقب الاقتصادية و ندري كيف نتخذ الإجراءات الاحترازية.

لقد اختلفت ردة الفعل حسب الدول بحكم عولمة الاقتصاد إذ منها المتقدمة و المتوسطة ودون ذلك ومن منطلق أنه "لا بديل عن التفاؤل" علينا أن نبقي متضامنين ومنضبطين قدر المستطاع للتعامل مع المشاكل القادمة.  

إن الاستثمارات المباشرة الخارجية ستكون ضعيفة أو مؤجلة وإن مشروعنا الرائد غاز آحميَم يقع في هذا الصنف ومن حسن الطالع أن يكون بيد شركة BP العملاقة التي جرَبت وتعاملت بنجاح مع حالات أخطر،  و من حسن حظنا أيضا أن الأزمة وعوامل أخري قد هوت بالمحروقات إلي أسعار متدنية جدا حوالي 30 دولار أمريكي للبرميل.

إن التحويلات النقدية التي يقوم بها تجارنا وعمالنا المقيمين في الخارج ستتأثر هي الأخرى وهي في العادة تصل مباشرة إلي عائلات المعنيين بواسطة قنوات غير مصنفة ثم إن السياحة ستعاني هي الأخرى أكثر مما عانت من الإرهاب فيتقلص الدخل ويتناقص التشغيل.

توجد أسباب تمكننا من أن نحافظ على قدر من التفاؤل الحذر في وجه هذه الصعوبات فهنالك أولا أنتاجنا من الذهب المصنف وغير المصنف الذي يظل مهما وفي تزايد وهو الآن قيمة مرجعية ثمنها تربو في البورصات على 1700 دولار أمريكي للأونصة، أما إنتاج الحديد فسيبقي مقيدا بعودة عجلة الاقتصاد العالمي و على الخصوص الصيني منه و من ناحية أخري فإن قطاع الصيد السطحي و العميق وهو منتوج كيفي سيعود كما هو الحال  بالنسبة لصادرات المواشي عند انتهاء الحجر الصحي.

إنه علينا أن نبيع لتحصيل مداخل غير أنه علينا أيضا أن نبتعد عن الإسراف في انفاق الأموال بالتسيير المجازف أو بنقص في الشفافية، ويعلم الله أن البلد يمتلك خبرات عالية في المجال المنجمي على الخصوص .

و في آخر المطاف و بغض النظر عن أزمة كوفيد 19 فإن العالم يحتاج إلي كل دوله للإنتاج والبيع و الشراء وعلى بلدنا أن يستعد لذلك فور انقضاء فترة الحجر الصحي.

 

بلادي:  إنكم من الذين عارضوا صراحة تغيير بعض رموز الدولة (التعريف الوطني – العلم  إلخ..) ومن ذلك تصريحكم لجريدة بلادي سنة 2016 فهل من سبيل إلي استرجاعها؟

 

احمدو ولد عبد الله: إن الهوية الوطنية هي "الماركة المسجلة" و التراث اللامادي لأي دولة فهي من تاريخها وتسمو على السياسات الحكومية وترتبط بها بعض الرموز : الثقافة – أسماء الأعلام البشرية و الطبيعية -  العلم – النشيد الوطني إلخ... فليس من المفهوم أن يقرر شخص بمفرده أن يغيَر  هذه المعتمدات وفي هذه المناسبة كان صمتنا على أقل تقدير من مظاهر البلاهة والإهمال.  

إن تضامن المواطنين في مواجهة كوفيد 19 مرتبط عضويا بمفهوم الانتماء إلي مجموعة وطنية وكل وطن يتمتع ببعض الرموز و الخصوصيات التي من ضمنها أسماء الأعلام بالذات فلم تتجرأ أي دولة في الخليج علي التخلي عن "آل" المميز لتلك المنطقة ولم يتخلَص الاسكتلنديين عن "ماك" ولا الهولنديين عن "فان" الغالبة على أسمائهم.

إن كل موريتاني محصي اليوم يتوفر على رقم وطني خاص به ولا يمكن أن يقع لبس بين الأفراد فلماذا يفرض ها البتر؟

لقد غيَر الجنرال موبوتو اسم الكونغو و رموزه وفعل القذافي مثل ذلك بليبيا غير أنه في الحالتين تحلَت السلطات اللاحقة بالحكمة اللازمة لنسخ ذلك دون جدل أو تريث.

إنه في انتظار تحقيق قضائي في صفقات الحالة المدنية ما بين 2011 و 2016 تبقي أكبر أمنياتي أن يهدي الرئيس ولد الغزواني بعد انتصاره على كوفيد 19 إلي شخصه وإلي مواطنيه هدية عيد فطر تتمثل في استرجاع العلم  والنشيد الوطنيين و تسمية مطار انواكشوط بالمختار ولد داداه وتمكين المواطنين من الاحتفاظ بأسمائهم.

 

بلادي: تعرف بلادنا حاليا جدلا واسعا حول الماضي السياسي القريب و البعيد فكيف تنظرون إلى هذا الجدل؟

 

احمدو ولد عبد الله: إن النقاش التقني مستحسن فقد يفيد الحكام و الجمهور ويعينهم على فهم القضايا الوطنية و الدولية. ففي السياق الحالي تكون نقاشات موضوع كوفيد 19 مفيدة جدا إذ أنه في مواجهة خطر حقيقي مازال بدون دواء يتعين في نظري أن نصرف الجهود إلي ما يعضد من الوحدة الداخلية ويعزز مستقبل الاقتصاد الوطني.      

أما مسألة اللجنة البرلمانية المكلفة بتوضيح تسيير الأموال العمومية في الفترة الممتدة ما بين 2009 و 2019 فينبغي تهنئة البرلمان على تأسيسها والحكومة على عدم منعها، إنها سابقة ومجرد تأسيسها يمثل في حد ذاته نجاحا و عليها أن تحقق عملا موضوعيا عن طريق خبرات معتمدة.  

إن غياب المحاسبة يخفض من قيمة الوظائف الحكومية ويودي بالمرفق العام ويزيد من الفوارق ويهدَم روح المواطنة، فلدينا أمل فى أن أعمال هذه اللجنة ستساعد في القضاء على حالة الإفلات من العقوبة على الأقل مؤقتا.  

ينبغي أن يقوم إجماع وطني لمساعدة هذه اللجنة في تحقيق مهمتها بجدية وسلاسة وفي هذا الإطار  يجب أن نعرف أن اللجنة حسب ما يبدو لي مكلفة بالتحقيق في التسيير العمومي لفترة محددة، فلا يتعلق الأمر بأعضائها ولا بشخصيات سياسية أخري، ومن الغريب أن بعض الشخصيات لا تبدي تفهما أو قبولا لهذه المهمة.    

إن علينا أن نحتفي بهذه اللجنة وأن نحيطها بالإجماع السياسي الوطني وأن نسعى إلى مؤازرة الشركاء لها،  فهي تبدو لي كوسيلة للردع و التحصين  ضد تفريط النخب السياسية العمومية والخصوصية في موريتانيا و المنطقة .

إن من يصل إلى دفة الحكم في دولة لا ينبغي أن يجعلها غنيمة حرب.

 

اجرى الحوار:

موسى ولد حامد

 النص الأصلي للمقابلة بالفرنسية:

Ahmedou Ould Abdallah : Diriger un Etat n’est pas un butin de guerre

سبت, 09/05/2020 - 13:20