"الجنرال" بمب ولد سيدي بادي

تابعت حلقات الصفحة الأخيرة – أو معظمها - التي استضاف فيها الإعلامي والأكاديمي الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله، رجل الأعمال البارز السيد بمب ولد سيدي بادي على مدى الأسابيع الماضية.

 

لا أعرف رجل الأعمال الفاضل بمب معرفة شخصية وإنما أسمع عنه بصفته أحد أبرز رجال الأعمال الذين خدموا البلد إضافة إلى أنه والد زميلي الأخ علي الذي جمعتني معه الدراسة في إعدادية البنين.

 

لقد اكتشفت من خلال المعلومات الغزيرة التي كشف عنها السيد بمب أثناء هذه الحلقات أنه ليس مجرد رجل أعمال بل إنه يعد أحد مؤسسي الدولة الموريتانية والمشاركين بقوة في بنائها.

 

جمع هذا الرجل العصامي العظيم بين قوة الإيمان والإخلاص والذكاء وعلو الهمة والطموح والشجاعة وروح الإبداع وحب الوطن.

 

أسهم بمب في بناء الوطن قبل إعلان الاستقلال واستمر عطاؤه على مدى عمر الدولة الموريتانية رغم المضايقات الكثيرة التي تعرض لها.

 

وسأقف هنا سريعا عند بعض إنجازات هذا الرجل الكبير وما قدمه لبلده، ومن ذلك:

 

- الموقف الأول إقناعه لصديقه بوياكي ولد عابدين رحمه الله بالعدول عن فكرة تدبير انقلاب على الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله في أواسط الستينات من القرن الماضي وقد وصل الانقلاب مرحلة متقدمة فقد جلب بوياكي مجندين بمساعدة بعض الرؤساء الأفارقة ، لكن بمب تمكن من إقناعه بالعدول عن الفكرة مذكرا إياه بخطورة سفك الدماء و كيف سيقدم على ربه بذلك وقال له إنه لن يساعده في هذا المسعى لكنه سيكتم هذا السر ما دام بوياكي حيا ، وهذا الموقف يظهر أيضا حكمته وتبصره ، و لنا أن نتصور حجم الكارثة لو نفذ السيد بوياكي خطته الانقلابية في بلد ما زال في طور التأسيس .

 

- الموقف الثاني هو تجهيزه لعدد من الشاحنات الكبيرة بمعداتها لمساعدة الجيش الموريتاني في حرب الصحراء بعد أن اشتكى إليه صديقه العقيد فياه ولد معيوف رحمه الله من صعوبة مهمته التي كلف بها لقيادة أحد القطاعات العسكرية إذ لم يكن لديهم سوى سيارة متهالكة، فلما سلم رجل الأعمال بمب السيارات المجهزة الى الجيش الوطني لقبه العقيد فياه بالجنرال وهو فعلا يستحق أكثر من تلك الرتبة لما قدمه لبلده.

 

- اما الموقف الثالث فهو أيضا بطولة عظيمة للرجل إبان حرب الصحراء فقد اتصل به معالي الوزير المخضرم وزير الداخلية آنذاك السيد أحمد ولد محمد صالح وشرح له صعوبة الوضع في مدينة تيشيت التي حاصرتها البوليزاريو وقطعت الإمداد عن سكانها وعن كتيبة الجيش المرابطة فيها وبين له أن المسألة سرية ومستعجلة فبدأ بمب بتنفيذ المهمة بحكمة وتبصر القائد ورتب الشاحنات مع مواد التموين في سرية تامة  ولم تمض 72 ساعة حتى وصلت الشاحنات الى وجهتها رغم وعورة الطريق  ومخاطر الحرب و حصار المدينة.

 

اما مواقف شجاعته فنذكر منها:

 

- دخوله في معركة مع أحد ممثلي الاستعمار الفرنسي قبل الاستقلال إلى أن حوكم في مدينة أطار وصدر الحكم ببراءته.

 

- الموقف الثاني حواره الجريء مع الرئيس السابق المصطفى ولد محمد السالك رحمه الله عندما اتهمته الحكومة بمحاولة تدبير انقلاب ضد السلطة بالتعاون مع فرنسا.

 

- موقفه الأكثر قوة وشجاعة ضد الرئيس محمد خونا ولد هيداله الذي ضايقه كثيرا، ومن مضايقاته له مطالبته له بإرجاع المبلغ الذي حكمت له به المحكمة ضد شركة سنيم.

 

و لما رفض بمب الأمر بدأت الحكومة إجراءات توقيفه فذهب إلى الأمين العام للجنة العسكرية وطلب منه إبلاغ الرئيس انه إذا أراد سجنه فانه لن يسبقه إلى السجن  وأرسل له مدير ديوان الرئيس ليتأكد من هذا الكلام فأعاده عليه وقال له (je suis dans mon assiette)  ليؤكد له أنه قال الكلام عن وعي وقصد. وبعد ذلك بدأوا إجراءات تسوية الأمر و أبلغه المدير الجهوي للأمن ان القضية حفظت و انتهت ( classé sans suite) لكن بعد ذلك بأيام عادت الفكرة من جديد الى الرئيس ولد هيداله فبدأ توجيه الجهات المعنية بمطالبة السيد بمب مرة أخرى بإرجاع المبلغ أو السجن لكنه رفض إرجاع المبلغ وكان الرئيس هيداله وقتها يتحضر  للسفر خارج البلاد وقابل بمب أحد أصدقائه الذي يعمل مستشارا في الرئاسة فنصحه بعدم السفر مع الرئيس في تلك الرحلة.

 

وذهب الرئيس ولد هيداله لحضور القمة الإفريقية، وبعد ذهابه وقع الانقلاب ورجع إلى البلاد ليدخل السجن وتصدق فراسة السيد بمب ولد سيدي بادي، فسبحان مغير الأحوال.

 

ومن مواقف بمب الإنسانية ، وهي كثيرة، إكرامه لذلك السجين الموريتاني – الصحراوي الذي جمعه معه السجن وكان في وضعية يرثى لها فتقاسم معه المبلغ الذي بحوزته وأعطاه ثيابا فاخرة.

 

ومن هذه المواقف التي تدل على نبله وسلامة قلبه وبعده عن الغل أنه ما ذكر الرئيس السابق محمد خونا ولد هيداله، الذي ضايقه وسجنه، إلا ودعا له بطول العمر.

 

ومن مواقفه الأخلاقية أيضا رفضه ذكر اسم حاكم المقاطعة التي سجن فيها وقد عامله ذلك الحاكم معاملة سيئة ومن ذلك أن بعض أقاربه جاءوا لزيارته فمنعهم من رؤيته ولم يبلغه بقدومهم.

 

إن ما قدمه هذا الرجل لبلده وما تعرض له مقابل ذلك من تضييق وسجن وإبعاد عن الأهل كل ذلك يستدعي من الدولة أن تكرمه بصفته أحد مؤسسي وبناة البلد وأحد كبار "الضباط" الذين ضحوا تضحيات كبيرة من أجل الوطن.

 

حفظ اللـه السيد بمب ولد سيدي بادي وجزاه عنا جميعا خير الجزاء.

 

والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.

 

الهادي بن محمد المختار النحوي

أربعاء, 06/05/2020 - 12:24