أين المعارضة؟

يتكرر طرح هذا السؤال كثيرا في أيامنا هذه، وقد آن الأوان لتقديم إجابة عليه، وهذه محاولة للإجابة عليه، ولكنها ستبقى محاولة موجهة بشكل خاص لمن ينظر إلى الأمور في عمقها، ولا يكتفي بما يتم تداوله من نقاشات سطحية على مواقع التواصل الاجتماعي.

دعونا نتفق أولا على أن المعارضة المقصودة في السؤال هي تلك المعارضة التي لا تعارض من أجل المعارضة، وإنما تعارض من أجل الصالح العام، ولا شيء غير الصالح العام. وإذا ما اتفقنا على ذلك فسنجد بأن الصالح العام كان يقتضي من المعارضة أن تهادن في الأشهر الماضية، وربما الأشهر القادمة، وذلك حتى تساهم في خلق جو هادئ ومتصالح يمكن من تحقيق ثلاثة أهداف كبرى، تهم المعارضة بنفس الدرجة التي تهم الرئيس، أو هكذا يفترض أن يكون.

الهدف الأول / تكريس مبدأ التناوب السلمي على السلطة: لقد بذلت المعارضة جهدا نضاليا كبيرا خلال السنوات الماضية للوقوف ضد التمديد والمأمورية الثالثة، ولذلك فهي معنية ـ أكثر من غيرها ـ بحماية وتكريس هذا المبدأ.

لقد كان من الواضح جدا بأن الرئيس السابق لم يكن يفكر في الخروج الكامل من السلطة، ولذا فقد حاول أن يربك المشهد ببعض التصرفات التي كان من أبرزها اجتماعه بلجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وما عقب ذلك الاجتماع من محاولات فاشلة للسيطرة على الحزب. ولو أن المعارضة ألغت هدنتها في تلك الفترة، لكان ذلك في صالح الرئيس السابق، فمثل ذلك كان سيساعد في إرباك المشهد، وفي التشويش على الرئيس المنتخب الذي استلم السلطة للتو، وربما أدى في محصلته ومآلاته إلى خلق أرضية مناسبة للالتفاف على تناوب 2019، تماما كما حصل في السابق مع تناوب 2007.

لقد ساهمت هدنة المعارضة مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في حماية مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وقد ساعدت تلك الهدنة في نجاح عملية تجريد الرئيس السابق من كل عناصر القوة التي كان يمتلكها وفي وقت وجيز جدا، ولا أحد كان يتوقع أن تتم عملية تحييد خطر الرئيس السابق بتلك السرعة، والحقيقة أن هذه النتيجة ما كان لها أن تتحقق في هذا الوقت القياسي لو لم تجتمع كفاءة إدارة الرئيس محمد الشيخ الغزواني لهذا الملف مع  الهدنة التي منحتها له المعارضة.     

الهدف الثاني/ حماية البلاد من وباء كورونا

لقد أصبحت هدنة المعارضة أكثر إلحاحا وأكثر وجاهة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد وتهديده لكل دول العالم، ولم يكن أمام المعارضة الموريتانية بعد الإعلان عن أول إصابة بالفيروس في بلادنا إلا أن تستمر في مهادنتها للنظام، وأن تعلن عن استعدادها التام للتعاون مع الحكومة في مجال التصدي لوباء كورونا. ولا شك أن هذه الهدنة وذلك الاستعداد للتعاون قد ساهما كثيرا في نجاح جهود الحكومة المبذولة في مجال التصدي للوباء، ولقد أحسنت الحكومة عندما قررت أن تشرك معها المعارضة في الإشراف على الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي ومحاربة فيروس كورونا، والذي يُعول عليه كثيرا في التخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الإجراءات المتخذة للتصدي لكورونا.

الهدف الثالث/  الحرب على الفساد وتكريس مبدأ المساءلة

تعدُّ محاربة الفساد من أهم المطالب التي رفعتها المعارضة خلال العقود الماضية، ولذلك فالمعارضة معنية أكثر من غيرها بمحاربة الفساد، وهي أكثر حرصا على نجاح أي حرب حقيقة وجدية تُخاض ضد الفساد.

هناك بوادر حرب حقيقية على الفساد، صحيحٌ أنها حرب متدرجة وصامتة، وتلك واحدة من أهم أساليب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يفضل خوض الحروب الصامتة ذات النتيجة المضمونة، على العكس من الرئيس السابق الذي كان يفضل خوض الحروب الصارخة ذات النتائج المتواضعة إن لم أقل ذات النتائج السلبية، وما حربه على الفساد عنا ببعيد.

هناك خطوات هامة في مجال محاربة الفساد تم اتخاذها دون ضجة إعلامية، ولم يمهد لها بشعارات كبيرة، بل أكثر من ذلك فربما تكون كلمة الفساد ومحاربته من أقل الكلمات التي وردت على لسان الرئيس محمد الشيخ الغزواني خلال الحملة الانتخابية وبعد التنصيب.

نعم هناك خطوات هامة تم اتخاذها، ومن أهم تلك الخطوات تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وتكليفها بالتحقيق في ملفات هامة. هذه اللجنة قامت حتى الآن باستدعاء وزراء في الحكومة الحالية، وهذا إجراء غير مسبوق، ولقد تعهد الرئيس في مؤتمره الصحفي الوحيد حتى الآن، بأنه لن يتدخل في عمل اللجنة، بل إنه سيقدم لها العون لتأدية مهامها على أحسن وجه.

إن هذه اللجنة التي تعتبر أهم دليل على جدية الحرب على الفساد تتعرض اليوم لهجوم إعلامي شرس يريد أصحابه ـ ولغايات معروفة ـ أن يشوشوا على عملها، وأن يطعنوا في مصداقية تقريرها، حتى من قبل صدوره.

إن التشويش على عمل اللجنة البرلمانية وإرباكها ليس من مصلحة المعارضة التي تسعى للصالح العام، وإنما هو من مصلحة أولئك الذين يريدون أن يوقفوا ـ ولأسباب معلومة ـ عمل اللجنة البرلمانية، وهم يريدون أن يقوموا بذلك تحت مظلة المعارضة.

خلاصة القول هي أن مصلحة المعارضة التي تسعى إلى الصالح العام قد التقت مع مصلحة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في ثلاثة مواقف وهي على التوالي : حماية مبدأ التناوب السلمي على السلطة ـ التصدي لكورونا ـ تمكين اللجنة البرلمانية من أداء عملها على أحسن وجه. ولذا فليس من الإنصاف لوم المعارضة إن هي هادنت من أجل توفير الجو المناسب لحماية التناوب، والتصدي لكورونا، وتمكين لجنة التحقيق البرلمانية من أداء عملها على أحسن وجه، وعلى من يريد أن يشوش على عمل اللجنة البرلمانية أن يستغيث بجهة أخرى غير المعارضة التي تعارض من أجل الصالح العام، والتي لا تجد حرجا في أن تهادن النظام الحاكم إذا ما تطلب الصالح العام ذلك.    

حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

ثلاثاء, 05/05/2020 - 13:06