جائحة الكورونا فايروس: الخلفيات والتداعيات

لقد أثار ظهور و تفاقم وباء كوفيد19 المستجد في شهر يناير من السنة الجارية و ما واكبه دوليا من تصريحات متناقضة و تقارير متضاربة و تعلات متباينة من طرف مختلف الجهات السياسية و الأوساط العلمية و الخبراء و الباحثين و المحللين الاستراتيجيين ،أثار كل ذلك العديد من التساؤلات و سبب الكثير من الارتباك و الحيرة حول الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ظهور هذه الجائحة المريعة و حول العوامل الفعلية التي أوجدتها و أدت ألى انتشارها على نطاق واسع عبر العالم .
وما لبثت هذه التساؤلات أن تحولت الى شكوك في صدقية ما يصدر عن بعض الدول من تصريحات و بيانات ، و في نزاهة ووجاهة ما تجترحه هذه الدول من أعمال وما تقوم به من تصرفات ، و قد ساعد على قيام هذه الريب ما قد تم نشره و تعميمه من تقارير و أبحاث علمية جدية انجزها علماء متمكنون و مراكز بحث كبيرة . نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :

1 - التقرير العلمي الذي اصدره المركز العلمي ( سكريبس)  
The Scripps Research Institute (TSRI)
فهذا المركز المهتم بالأبحاث العلمية الموجود بولاية كاليفورنيا الأمركية قام موخرا باصدار تقرير علمي حول وباء كوفير19 المتجدد جاء فيه أن هذا الوباء انما هو ناتج عن تجربة أجريت بالولايات المتحدة الأمركية على غاز السيرين للأعصاب ، لم تتم السيطرة عليها . و في هذا الصدد نقل عن خبراء مطلعين أن أول من ظهرت عليهم أعراض الاصابة بالكرونا فايروس هم جنود أمركيون و عددهم 67 جنديا كانوا يعملون في افغانستان حيث كان الأمركيون يجرون نفس التجربة ،وذلك قبل أن يتم ارسالهم الى الصين للمساهمة في مناورة عسكرية صينية أمركية. و هناك اتضح أنهم مصابون بفايروس الكرونا رغم تكتم السلطات الأمركية على الأمر. و أوضح التقرير كذلك أن السلطات الأمركية المختصة كانت تتوفر على معلومات دقيقة عن طبيعة فايروس كورونا و عن طرق انتشاره و مدة بقئه حيا. وقد تكتمت على كل ذلك لاسباب هي وحدها من يعلمها حسب التقرير.

 
2- الدراسة العلمية السوسيو اقتصادية التي تضمنها كتاب الباحث و الناقد الاجتماعي البرطاني السيد دافيد آيك. 
والذي يحمل عنوان : David Icke David Icke 
« The Hunger Games society »
اي مجتمع اللعب بالجوع و الذي ظهر فيه بكل جلاء جشع الطغمة الرأس مالية و المؤسسات المالية المتوحشة التي انشأتها ، وكذا استهتارها بسلامة البشرية و مصير الانسانية ككل . وهذه الطغمة التي لا تزيد نسبتها على 1% من سكان كوكبنا تحتكر 99 % من الثروات و الموارد المتوفرة عبر العالم . وقد أظهر الكاتب أن أهم اهداف هذه الطغمة التي تضم ساسة سياسيين لدول مهيمنة معروفة وقادة متنفذين لمؤسسات مالية و اعلامية عابرة للقارات ، تتمثل في تشكيل و توطيد ما تسميه هذه الشرذمة بحكومة كونية ترمي الى السيطرة على العالم و اخضاعه لمصالحها الضيقة . ولا تقيم أي وزنا لما قد تتكبده البشرية جراء ذلك من بؤس و شقاء وويلات و شرور. و يؤكد الكاتب البرطاني في مؤلفه هذا و في أبحاث و محاضرات أخرى قدمها في محافل علمية مختلفة ،اعتقاده الراسخ بان هذه الشلة الرأس مالية الجشعة قادرة لما تتصف به من انعدام ضير اخلاقي على التسبب في احداث أية جائحة مهما عظمت طالما أنها تسهل هيمنتها على العالم و تضمن استحواذها على موارده و مقدراته . 
و لعل عدم اكتراث قادة بعض الدول العظمى بسقوط آلاف الضحيا اثر وباء الكرونا ورفضهم البات للحد من تنقل الناس ومن التواصل الاجتماعي واستمرار نشاط الاسواق ، يشكل اكبر دليل على الاستخفاف و الاستهتار بسلامة و امن الناس . وهو ما يزكي صدقية ما ذهب اليه الكاتب البرطاني دافيد آيك . و ما يقو ي الاعتقاد بصحة ذلك هو تهور الادارة الامركية بقيادة دونالد اترانب حيال انتشار و استفحال جائحة الكرونا فيروس دون ان تقوم السلطات المختصة في هذه الادارة باتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من استفحال هذه الكارثة الماحقة ، فكانت النتائج كارثية باعتراف جهات امركية عديدة حيث تضاعفت اعداد المصابين بهذا المرض ، الى أن تخطت عتبة الماءة ألف في الاسابع القليلة المنصرة و الحبل على الجرار . و توشك الاوضاع اليوم في كبريات المدن الأمركية على الخروج عن السيطرة بما يهدد سلامة الشعب الأمركي و أمن باقي شعوب العالم . جاء كل هذأ نتيجة لجهل و استهتار أدارة يقودها تاجر غير متبصر لا يهمه الا التكسب و التربح و تكديس الاموال .  
مهما يكن من أمر فان أمام هذه الجائحة : فيما أرى احتمالين اثنين ، فاما أن تتراجع و تختفي نهائيا و اما أن تتفاقم و تستفحل الى أقصى الحدود. و لكل من الاحتمالين نتائج و تبعات تستلزم التعرض لكل منها على حدة لاستكناه تداعياتها على المديين القريب و البعيد. 
ا- الاحتمال الاول: هو أن يتراجع هذا الوباء من تلقاء نفسه أو نتيجة لاكتشاف علاج ناجع له . في هذه الخالة ، من المتوقع أن تهدأ المخاوف و يسود نوع من الطمأنينة الحذرة . لكن قد يمضي وقت طويل قبل أن يستعيد الناس الثقة في صدقية العلوم و جدية العلماء و في نجاعة المؤسسات الطبية ، وقبل ان يسترجعوا الثقة في مقدرة و كفاءة و جاهزية ووظيفية المؤسسات السياسية و الاقتصادية و المالية و الاجتماعية القائمة في بلدانهم . 
و قد يمر وقت طويل كذلك قبل أن تستعيد الدول الثقة الكاملة في الصداقات المفترض أنها قائمة بينها و المواثيق و المعاهدات و التحالفات التي تربطها ببعضها و التي اظهرت جائحة الكرونا فايرس أنها هشة ومتقعرة ولا يوثق بقدرتها على الصمود أمام الهزات و المحن كما أنه قد يتضاءل تعويل الشعوب على متانة ما كنت تظنه قائما بينها من تضامن و تعاون عندما تخضع لمحك الملمات و الكروب . و من الوارد في اعقاب ظهور هذا الوباء و ما قد استتبعه من مواقف أنانية متخاذلة و متهافتة ، أن يرتكس العديد من القيم الاجتماعية و الأخلاقية لدى بعض شعوب العالم سيما شعوب البلدان الغربية.
ب ً- الاحتمال الثاني : الذي يتمثل في تفاقم الوباء (لا قدر الله) و ازدياد كارثية نتائجه من حيث الخسائر البشرية و المادية و تردي الظروف الحياتية العامة. وقد تكون لهذا الاحتمال اذا ما تجسد على أرض الواقع ، تداعيات ذات أبعاد اقتصادية و جييو استراتيجية و عسكرية و اجتماعية و اديولوجية و عقدية.
فعلى الصعيد الاقتصادي قد تفضي هذه الجائحة الى :
ـ تدهور اقتصادات البلدان المصدرة للبترول ما قد يقود الى انهياربعضها حيث أن تدني اسعار البترول قد يهوي الى خمس دولارات وقد يتسبب ذلك في تفكك كيانات كانت تقوم على تصدير البترول و في اضمحلالها.
ـ سقوط قيمة الدولار وفقدانه مكانته كعملة تعامل دولي.
ـ انكماش حاد للاقتصاد العالمي 
ـ تفاقم البطالة و اتساع دائرة الفقر
ـ قيام ازمة اقتصادية خانقة ناجمة عن الركود و الكساد و تباطء النمو الاقتصادي في الاسواق العالمية .
وقد تكون لهذه الجائحة انعكاسات سلبية على البلدان العربية ككل وعلى دول الخليج بشكل خاص نتيجة لارتباطها الوطيد بعائدات النفط و تأثرها بتقلبات اسعار الدولار في الأسواق المالية الدولية.

وعلى الصعيد الجييو استراتيجي: فانه بات من المتوقع أن تتغير البنية الحالية للمنظومة الدولية و ذلك نتيجة لاحتمال اعادة تموقع الدول ذات الثقل الاقتصادي و الاجتماعي و الاستراتيجي على حلبة العالم حيث اضحى من الوارد ان تقوم على المشهد الادولي تراتبية جديدة للدول الكبرى تحتل فيها الصين موقع الصدارة. و قد تليها روسيا ويلي ذك الهند. 
بحيث تتقهقر الولايات المتحدة بالنتيجة الى المرتبة الثالثة او الرابعة على المستوى الدولي. و لا يمكن اسنبعاد انهيار النظام الولي الذي كان سائدا لحد الساعة لتحل محله منظومة شانكهاي .
و على الصعيد العسكري لا يستبعد أن تقوم احتكاكات ان لم نقل مواجهات عسكرية بين الدول الكبيرة المتشبثة بمكانة االصدارة التي تحتلها راهنيا و الدول الراغبة في اعادة تموقعها على الحلبة العالمية . و لا يستغرب أن تنجم هذه المواجهات الوارد حدوثها عن تهور و بلطجة الرئيس الأ مركي دونالد ترانب ، الذي لا يمكن التنبؤ بما قد يجترحه من شطحات طائشة وغير محسوبة االعواقب .
و على الصعيد الاديولوجي و العقدي ، فلا يستبعد ان تؤدي هذه الجائحة و ما استتبعته من ردات أفعال نفسية ووجدانية و فكرية ، الى اعادة النظر لدي البعض في منظومات القيم الاجتماعية وفي المعتقدات و القناعات التي كانت سائدة من قبل، وذلك بسبب ما حصل من وعي بافلاس منظومات المثل و القيم التي يرتكز عليها النسق المؤسسي و النموذج السياسي بعد ما حصل من اخفاقات في ما يتصل بنجاعة النظام الديمقراطي و مصداقية قيم التضامن و التكافل الاجتماعي و التآزر و الايثار على النفس.

ولقد قاد الاحساس بالفراغ الروحي و الخواء العقدي واستشعار العبثية السائدة في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، قاد ذلك الى نزوع متنام نحو البحث عن ملاذات دينية يمكن الاستعصام بها و الركون اليها ، فرارا من من وطأة الاحساس بهذه العبثية السائدة . ولعل من أوضح مظاهر ذلك النزوع هو الاقبال المتنامي في الغرب المصدوم على مشاركة المسلمين في تواجدهم في اماكن عبادتهم وفي قراءتهم و انصاتهم الى تلاوة القرآن الكريم. ولعل اكبر دليل على ذلك هو اصغاء الرئيس دونالد اترانب و جمع غفير من السياسيين و البرلمانيين الامركيين لتلاو ة آيات من القرآن الكريم في رحاب الكونغرس.
وخلاصة القول ، فان هذه الجائحة الصادمة رغم نتائجها الكارثية، قد اوجدت عندنا و ربما عند غيرنا الاحساس باهمية و ضرورة الانضباط و التضامن و الوفاء وجعلتنا و غيرنا ندرك ان الديمقراطية رغم ايجابياتها و محامدها لا بد من تطعيمها بجرعات كبيرة من المثل العليا التي يتضمنها ديننا و تقوم عليها حضارتنا نحن المسلمين . 
و يتعلق الأمر تحديدا بالمروءة و التكافل و التآزر الايثار على النفس، و الابتعاد عن الأنانية و الشح ، و الجشع.
و ثمة درس آ خر بالغ الأهمية لا بد من استخلاصه من هذه الجائحة الكارثية وهو ضرورة بلورة استراتيجية متكاملة لتأمين الحجيات الأساسية للبلاد عند ما تلم ضائقة أو تحل كارثة لم تكن بالحسبان ، دون اهمال العمل الجاد و المتبصر على تحقيق البلاد الاكتفاء الذاتي على الصعد كافة.

 

محمد الأمين ولد الكتاب

ثلاثاء, 31/03/2020 - 17:03