مارشالْ صينية من بوابة كورونا..

تُثبت صيرورة التاريخ البشري أن التحولات الكبرى التي شهدها العالم تمر حتماً عبر أزمات خانقة، تتجلى في تمظهرات عديدة، قدتأخذ شكل صراع مسلح، وأوبئة ومجاعات، تبدأ غالباً بأحداث تبدوعرضية للوهلة الأولى، لكنها سرعان ما تُحدث تحولاً  جذرياً في منظومات عتيدة، تما كما حدث في الحرب العالمية الثانية 1938 التي بدأت بغزوي ألمانيا للنمسا لتتحول لعافصة أعادت بناء القارة العجوز ،الحالمة بالسيطرة على العالم وقتها، وفق المعايير الأميريكية.

كانت خطة وزير الخارجية الأميريكي جورج مارشال التي تحدث عنها أمام طلبة جامعة هارفارد في 5 يونيو/ حزيران 1947، ووافقت عليها سبع عشرة دولةً أوروبيةً من ضمنها فرنسا وألمانيا الغربية وانكلترا وغيرها، ووقعها الرئيس الأميريكي  الأسبق هاري ترومان في 3 إبريل/ نسيان  سنة 1948، كفيلة بربط المنظومة الاقتصادية لأوروبا بالولايات المتحدة، ليصبح من السهل تكوين حلف عسكري طبقاً للأجندة الأميريكية في مواجهة المد الشيوعي، وهكذا استغل الأميريكيون الجبهة الأوروبية المنهكة في تكوين قطب جديد قادر على مقارعة السوفييت.

منذ ذلك التاريخ بدأت الولايات المتحدة بالتفكير في السيطرة على العالم، عبر بوابات مختلفة، معتمدة على قوى ناعمة ساهمت بشكل كبير في تحقيق أهدافها على المديين المتوسط والقريب، وكان من الطبيعي أن تبدأ في التنظير لعدو افتراضي بعد انهيار أكبر عدولها في تسعينيات القرن الماضي، ولسنا هنا بصدد سرد النظريات التي تبناها منظرو ماعُرف بمشروع القرن الأميريكي الجديد (Project for the New American Century(PNA)، بمقدر ما عرجنا على لمحة تاريخية لفهم السر الذي مكن الأميريكيين من صدارة العالم من فوق ركام القارة الأوروبية التي فقدت في ظرف وجيز كل أساليب التحكم في إقامة منظومة كانت تمتلك كل الوسائل للحفاظ على الاستمرارية، لكن الأخطاء في لعبة الأمم وفي صراعاتها، قد لاتكلفها مكانتها ضمن المنظومة الدولية فحسب، بقدر ماتعيدها قرونا ضوئية إلى الوراء.

لقد أدرك الصينيون منذ فترة هذه الحقائق وبدؤوا يشتغلون في صمت مستغلين تورط الأمريكيين في حروب خارج حدودهم، فقد كانوا يتنظرون اللحظة التي يعلن فيها العم سام عجزه بمحض إرادته، بعد أن انهكته حروب العراق وأفغانستان، والأزمات الاقتصادية التي تواجهه من حين الآخر، ليتصدروا العالم بأقل خسائر ممكنة، والظاهر أن الأمريكيين تنبهوا ،بعد فوات الأوان، للخطر الصيني الذي بات يهدد نفوذهم بشكل جدي، وفي هذا الصدد يمكننا فهم الإجراءات التي اتخذها ترامب ضد المنتجات الصينية.

عكست حرب الضرائب الأخيرة بين البلدين حدة الخلاف الذي هو في الحقيقه خلاف وجودي، لأن كرسي زعامة العالم لايقبل القسمة على اثنين كالعادة، ويبدو أن الصنيين استغلوا نجاحهم المبهر في القضاء على جائحة كوفيد19  لتطبيق خطة مارشال الأميريكية بنسخة صينية وعبر بوابة فيروس كرونا المستجد الذي عجزت عن مواجهته معظم المنظومات الصحية في أوروبا الغربية، والمفارقة في الأمر أن القلق الذي أحدثه هذا الفيروس في الأوساط العالمية وفي أوروبا على وجه التحديد شبيه إلى حدما بالشعور ذاته  الذي سادها بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك ليس صدفة أن يوجه الرئيس الصيني (شي جين بينج) رسالة في هذا الظرف بالذات إلى زعماء كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وسربيا، مؤكدا على أن "أزمة الصحة العامة تمثل تحدياً مشتركاً للبشرية"، ومن غير المستبعد أن نرى قريبا خطة صينية لإنقاذ أوروبا من هذا الفيروس قد تخرجها من العباءة الأميريكية.

المؤكد أن التجربة الصينية في التصدي لكوفيد 19 أبانت للعالم قدراتها الخارة في مواجهة أزمة عجزت عن التصدي لها دول كنا نحسبها متطورةً، وليس مستبعداً أن تطلب الولايات المتحدة التي تشهد انتشارا مخيفاً للفيروس مساعدة الصينيين في أية لحظة، حينها سيكون العالم مضطراً لترجمة خطة التنين الصيني من لغته الأم إلى لغات عديدة، لتبدأ حِقبة جديدة من التاريخ تُجبرفيها دول عظمى على العبور من طريق الحرير متخلية بذلك عن المحور الأطلسي ولغته اللاتينية...

د.أمم ولد عبد الله

 

أحد, 22/03/2020 - 09:18