التهذيب : تخمين العلة

قبل ثلاثة عقود لم تكن في موريتانيا سوى بضع مدارس خصوصية تلتزم المنهج و على الأقل تراعي المعايير التربوية، في ذلك الزمن كان التهذيب العمومي سائدا، و بعد فترة ظهر جيل من مؤسسات التهذيب الخصوصية التي دخلت في انقسام أشبه بالفطر و بدأت المأساة المتمثلة في العبث بمستقبل جيل، إنها جريمة العقدين الأول و الثاني من الألف الثالث.

فوضى المدارس الخصوصية تسببت في هجرة الأساتذة الأكفاء من المدارس العمومية و كنتيجة حتمية التلاميذ نحو مدارس لا توفر الحد الأدنى من المواصفات التي ينبغي توفرها لحمل هذا الإسم. 

لعل جمهور المهندسين يفرق في الإنشاءات حسب الغرض و هذه المدارس تستغل دورا سكنية، ما يجعل التساؤل مشروعا عن حجم استيعابها و تهويتها و إضاءتها طبيعيا، في هذه الأقبية تجد كل الفئات العمرية تتبادل التجارب، خلط لم نعهده في مدارسنا التي كان التجاور فيها بين الفصل الأول و الثاني الثالث و الرابع الخامس و السادس.

إن التجربة القصيرة التي لم تتجاوز أربعة أعوام كمتعاون في التعليم العالي تسمح لي بالقول إن الطالب يتعرض للعنف بمواضيع تعجيزية و عدم حصوله على الكفايات المتوخاة من الدروس،

لذلك لابد من إخضاع المعلم و الأستاذ و الموظف العمومي أيا كان منصبه لامتحان " psychotechnique " بمعنى الكلمة، لأن ما يتم التركيز عليه في الاكتتاب حاليا هو الجانب التقني البحت دون اعتبار الجوانب النفسية التي تلقي بظلالها على الأداء و بطبيعة الحال المردود، و الامتحانات التي تجاوزتها قبل ولوجي الوظيفة العمومية تعزز هذا الطرح.

قد لا تكون موريتانيا بدعا في  ظاهرة الرداءة هذه فربما انسحبت على بلدان من العالم الثالث و الإقليم.

و لأن مرحلة التهذيب تعتبر أساسا للتعليم فإن المعلم يخضع لتكوين خاص و لا تطلق عليه هذه الصفة إلا بعد ولوج مدرسة مهنية و التخرج منها بشهادة الكفاءة، المراحل التي لا يحتاجها أستاذ التعليم و هذا ما يدل على اختلاف التهذيب (التربية) عن التعليم.

إن إصلاح التهذيب يتطلب نظرة شاملة عبر مسح كل الجوانب : المنهج، المصادر البشرية، البنى التحتية...

إن الحصول على نتائج أفضل يمر بمحطات منها : تيسير المعلومة، و تمكين التلميذ من ناصية المعرفة، و عدم اختزال العملية برمتها مثلا في ألغاز قد تكون مفيدة لكن نتائجها العكسية وخيمة.

كم نحن في حاجة اليوم إلى تجربة تجديد على غرار المدارس النظامية التي أسسها العالم الوزير نظام الملك السلجوقي الطوسي و درس فيها الغزالي العالم الفيلسوف المتصوف، نحتاج  مدرسة مستنصرية جديدة.

أختم بالتذكير بمفاهيم عميقة سبق و رددت كثيرا من قبيل "المعرفة للجميع" و "الكتاب" و المطالبة  بإحيائها.

سبت, 24/08/2019 - 11:00